مفاوضات أوروبية لحسم ملف الطاقة خلال أسابيع
فون دير لاين تواجه انقسامات بسبب تنوع مصادر الطاقة لبلدان الاتحاد الأوروبي
تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، انقسامات بين البلدان الأوروبية الـ 27 لتصل إلى خطة مشتركة لمواجهة أزمة الطاقة، إذ تعتمد البلدان الأوروبية على مزيجاً مختلفاً من مصادر الطاقة، فبعضها يعتمد على النووي وأخرى على الغاز أو حتى الفحم لإنتاج الكهرباء.
وتجري فون دير لاين مفاوضات شاقة كي تظهر أوروبا بمظهر الجبهة الموحدة، ولا يزال يتعين عليها حسم الكثير من النقاط الصعبة خلال مفاوضاتها مع أعضاء التكتل، رغم ذلك اتفق قادة الاتحاد الأوروبي ليل الخميس الجمعة، على “خارطة طريق” تهدف إلى وضع إجراءات في الأسابيع المقبلة، للحد من ارتفاع أسعار الطاقة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “لدينا الآن خارطة طريق جيدة جداً”، بينما تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل عن “الاتفاق على حزمة من الإجراءات التي يجب الآن التعامل معها بدقة”.
وأضافت فون دير لاين: “سنطور مؤشراً جديداً تكميلياً، ليعكس وضع أسعار الغاز الطبيعي المسال بشكل أفضل، وفي غضون ذلك سننشئ آلية لتصحيح السوق للحد من نوبات ارتفاع أسعار الغاز. سنعمل مع وزراء الطاقة لتقديم اقتراح قانوني لتفعيل آلية السوق”.
أصعب شتاء
من جانبه قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال: “إنها لحظة حقيقة بالنسبة لأوروبا، حيث تواجه أصعب شتاء منذ عقود، وفي وقت تترنح الاقتصادات تحت الضربات المزدوجة للتضخم المرتفع وأسعار الطاقة القياسية”.
وكتب ميشيل عبر تويتر: “الوحدة والتضامن يسودان. اتفاق على العمل على تدابير لاحتواء أسعار الطاقة للمنازل والشركات”، دون أن يخوض في مزيد من التفاصيل.
لكن المستشار الألماني أولاف شولتز أوضح أنه، إذا لم يتمكن وزراء الطاقة من الاتفاق على نسخة نهائية، فستكون هناك حاجة إلى “قمة جديدة” لرؤساء الدول.
وبحسب الخلاصات التي صدرت في نهاية الاجتماع، يطلب رؤساء الدول والحكومات من المفوضية أن تقدم لهم “على وجه السرعة قرارات ملموسة” بشأن مجموعة من الإجراءات لكبح أسعار الغاز المتقلبة.
وعلى الرغم من أن الكتلة الأوروبية أرادت، إثر المفاوضات الشاقة أن تظهر بمظهر “الجبهة الموحدة”، إلا أنه لا يزال يتعين حسم الكثير من النقاط، وستكون المفاوضات في الأسابيع المقبلة صعبة.
واتفقت الدول الـ 27 على تعزيز المشتريات المشتركة للغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي، فيما دعت إلى “تسريع مفاوضاتها” مع الدول المنتجة “الموثوقة” مثل النرويج والولايات المتحدة، من أجل “الاستفادة من الثقل الاقتصادي” للاتحاد الأوروبي.
ويعقد القادة على مدى يومين في بروكسل اجتماعاً، لمحاولة تجاوز انقساماتهم والتوصل إلى استجابة مشتركة للارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، وذلك على خلفية توتر فرنسي ألماني، وسط توقعات بأن تكون المناقشات طويلة بين قادة الدول والحكومات.
ماكرون وشولتز
وبعد ظهر الخميس، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الألماني أولاف شولتز اجتماعاً، لمحاولة تسوية خلافاتهما قبل بدء الاجتماع مباشرة.
وبحسب ماكرون، فإنه يمكن تنفيذ الآليات المتوخاة في نهاية أكتوبر الجاري أو بداية نوفمبر، قائلاً إن القادة “أرسلوا إشارة واضحة جداً إلى الأسواق بشأن تصميمهم ووحدتهم”.
وقال ماكرون عند وصوله إلى بروكسل: “أتمنى دائماً الحفاظ على الوحدة الأوروبية وعلى الصداقة والتحالف بين ألمانيا وفرنسا أيضاً”، مؤكداً أنه “لدينا الكثير من العمل أمامنا”.
وأضاف أن “كلاً منا يعمل على المستوى الوطني وأعتقد أنه من الأفضل دائماً التشاور والتنسيق. لطالما اعتبرت أن واجبي هو أن أفعل كل شيء حتى نجد مسارات اتفاق بين ألمانيا وفرنسا، ما يجعل من الممكن بعد ذلك بناء اتفاقات أوروبية”.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، خلال الأسبوع الجاري، أن هذه القمة هي “الأهم منذ فترة طويلة”، قائلاً إنه “إذا لم يؤد ذلك إلى إشارة سياسية واضحة بأن لدينا الإرادة للتوقف عن تحمل أسعار الغاز المرتفعة، فسيشكل هذا فشلاً لأوروبا”.
خشية الشركات الأوروبية
وتخشى آلاف الشركات الأوروبية على بقائها بسبب المنافسة من جانب الولايات المتحدة وآسيا، حيث ظلت الأسعار أقل ارتفاعاً. وفي ألمانيا وفرنسا، ضمت تظاهرات آلاف الأشخاص احتجاجا على غلاء المعيشة.
في السياق، انتقدت وزيرة الانتقال البيئي في إسبانيا تيريسا ريبيرا صراحة عمل المفوضية الأوروبية، قائلة إن “الاقتراحات لا تزال خجولة بعض الشيء، ولا نزال نفتقر إلى إجراءات ملموسة لغالبية المسائل”.
وأضافت أن “جهداً فعلياً بُذل منذ عام (…) لكن من المؤسف جداً أن نرى إلى أي درجة استجابة أوروبا للتحدي الذي نواجهه، بطيئة”.
وخلال قمة براج الأخيرة في مطلع أكتوبر، حمّل قادة عدة على رئيسة المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في حين اتهمها رئيس الحكومة البولندي ماتيوش كورافيتشي بـ “تمثيل المصالح الألمانية”.
إعفاء المجر
إلا أن رئيسة المفوضية الأوروبية تواجه انقسامات بين الدول الـ 27، التي تعتمد مزيجاً مختلفاً من مصادر الطاقة، فبعضها يعتمد على النووي وأخرى على الغاز أو حتى الفحم لإنتاج الكهرباء.
وتسببت العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو بصدمة على صعيد أسعار النفط والغاز والكهرباء، لكن أوروبا تتحرك ببطء منذ فبراير الماضي، بسبب المصالح المتعارضة أحياناً للدول الأعضاء.
إذ تنقسم هذه الدول أيضاً بشأن مسألة تحديد سقف لسعر الغاز المستخدم لإنتاج الكهرباء، وتطبق آلية كهذه في إسبانيا والبرتغال حيث سمحت بتراجع الأسعار.
وتطالب دول عدة مثل فرنسا بتوسيع هذه الآلية “الإيبيرية” لتصبح على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلا أن ألمانيا تعارض ذلك، فضلاً عن دول شمالية عدة، بينها الدنمارك وهولندا المتحفظة على تدخل السلطات بالأسواق.
وقال رئيس وزراء المجر، إنه تم التوصل إلى اتفاق، ينص على إعفاء المجر من أي سقف مستقبلي لأسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً على صفقات إمدادات الغاز طويلة الأجل، مثل تلك التي أُبرمت مع شركة “غازبروم” ومدته 15 عاماً.
وأضاف فيكتور أوربان في منشور على فيسبوك: “لقد حصلنا على إعفاء من سقف أسعار الغاز، لذلك لن يكون أمن إمدادات الغاز معرض للخطر في بلادنا. وحتى لو كان هناك شراء غاز مشترك في أوروبا، فلن يكون ذلك إلزامياً بالنسبة للمجر”.
يشبه الذهاب إلى الحانة
وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، قد أعلن على تويتر أن نية المفوضية الأوروبية لفرض سقف لسعر الغاز الروسي شبيهة بموقف يريد فيه زائر الحانة تحديد سعر البيرة بنفسه.
وكتب أوربان: “اقتراح المفوضية الأوروبية بشأن تحديد سقف لأسعار الغاز يشبه الذهاب إلى الحانة وإخبار النادل أنك تريد دفع نصف تكلفة البيرة الخاصة بك. لن يحدث هذا. لا يمكن للمستهلكين خفض أسعار الطاقة. فقط التنويع والمنافسة ممكنة”.
قبل القمة، قال أوربان إن سقف أسعار الغاز في بودابست يعني فرض حظر على الغاز، وأن الانتحار الاقتصادي للاتحاد الأوروبي لن يساعد أوكرانيا. وأكد السياسي أيضًا أن خطة بروكسل الأخيرة لمشتريات الغاز المشتركة تذكره بعملية الشراء المشترك للقاحات كوفيد-19 بسبب انخفاض سرعة اتخاذ القرار وارتفاع التكلفة. ووفقا له، فإن إدخال سقف على أسعار الغاز الروسي ومشتريات الطاقة لعموم أوروبا سيلغي عقود الغاز بين بودابست وموسكو، ولهذا السبب لا تدعم المجر وبعض الدول الأخرى مثل هذه الإجراءات.