منافسة «العجوزين» وشيخوخة النخبة الأمريكية
يوم الثلاثاء الخامس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم تواجه الولايات المتحدة بعدد سكانها الذي يفوق 330 مليون مواطن موقفاً هو الأول من نوعه، منذ انتخاب رئيسها الأول جورج واشنطن عام 1732.
فقد شغل منصب الرئاسة من حينها وحتى الرئيس الحالي جوزيف بايدن، ستة وأربعون رئيساً، كان أكبرهم سناً يوم توليه لها هو الرئيس الأسبق رونالد ريغان، والذي بلغ حينها 69 عاماً وما يزيد عن أحد عشر شهراً وفصله عن سن السبعين نحو أسيوعين فقط.
وبعد توليه منصبه مرتين متتاليتين، غادر ريغان البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 1989، وعمره أقل من 78 عاماَ بأسبوعين، ليصبح حتى وقتها الرئيس الأكبر سناً الذي تولى المنصب عند انتخابه ووقت مغادرته.
إلا أن ما جرى عام 2016 بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، كسر الرقم القياسي السابق، حيث بلغ من العمر عند دخوله البيت الأبيض 70 عاماً وما يزيد عن سبعة أشهر، وغادره عام 2020 وهو أكبر من هذا بأربع سنوات كاملة.
وبترك ترامب المكتب البيضاوي، دخله الرئيس الحالي جوزيف بايدن ليحطم كل الأرقام السابقة؛ إذ بلغ من العمر حينها 78 عاماً ونحو شهرين، ليكمل عند انتهاء مدته في يناير/كانون الثاني القادم 82 عاماً وفوقها شهران تقريباً.
وبإقرار ترشيح الحزبين الديمقراطي والجمهوري للرئيسين الحالي بايدن والسابق ترامب كمرشحين رسميين لكل منهما، تصبح انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، هي الأولى في تاريخها التي تتم بين المرشحين الأكبر سناً خلال قرابة 300 عام من هذه الانتخابات منذ اختيار جورج واشنطن رئيساً أول للبلاد.
وبنجاح أي من الرجلين ستتحطم -أيضاً- كل الأرقام القياسية السابقة التي حققها كل منهما. فإذا نجح الرئيس بايدن، سيدخل البيت الأبيض للمرة الثانية وعمره 82 عاماً وشهرين، وليغادره بعد أربع سنوات بتجاوزه لعمر 86 عاماً، كاسراً رقميه السابقين في بدء وانتهاء مدته الرئاسية الحالية.
أما إذا نجح الرئيس السابق ترامب، فسوف يكسر رقم خصمه بايدن لدى دخوله البيت الأبيض في ولايته الحالية، حيث سيفوقه بأكثر من 5 أشهر، بعد سن 78 عاماً، وسيصبح حينها أكبر رئيس سناً يغادر منصب الرئاسة في عمر يزيد عن 82 عاماً وسبعة أشهر متجاوزاً رقم خصمه بايدن حال عدم نجاح الأخير.
الأمر ليس مجرد فقط أرقام قياسية تبرزها هذه المنافسة الفريدة بين «العجوزين»، بحسب وصف الرئيس بايدن لنفسه ولخصمه في تصريح له قبل أيام، لكن أيضاً تشير إلى أزمة حقيقية في النخبة الأمريكية الحاكمة والحزبية.
فبالنسبة للكونغرس الحالي رقم 118 في التاريخ الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، توضح الإحصائيات أنه الأكثر شيخوخة في هذا التاريخ. وتبلغ مدة بقاء بعض أعضاء أحد المجلسين أو كليهما إلى ما بين 50 إلى 60 عاماً بشكل متواصل، بينما يبلغ متوسط عمر أعضاء مجلس الشيوخ بأعضائه المئة، نحو 63.5 عاماً.
ويبدو واضحاً من هذا المؤشر وبيانات أخرى عديدة تخص النخبة الأمريكية الحاكمة والحزبية، أن حالة شيخوخة المرشحين الرئاسيين الرئيسيين ليست سوى الجزء الطافي والظاهر من جبل الجليد. فمتوسط العمر المتوقع للأمريكي يتراوح بين 76.5 عاماً إلى 77.6 بحسب الفترة الزمنية منذ عام 2019 وحتى اليوم، وبذلك يكون المرشحان الرئاسيان أكبر عمراً من هذا السن المتوسط.
كذلك، فإن نحو 55% من الشعب الأمريكي هو أقل من عمر 45 عاماً، بينما تبلغ نسبة من هم فوق هذا وحتى سن 64 عاماً نحو 25.5% من السكان، وبذلك يكون أكثر من 83% من الشعب الأمريكي أصغر من سن 65 عاماً، بينما من هم فوق هذا العمر لا تزيد نسبتهم عن 16.6% من الأمريكيين.
وبهذه الأرقام يبدو واضحاً أن معظم النخبة الأمريكية الحاكمة والحزبية لا تمثل الغالبية الساحقة من الفئات العمرية الأمريكية الأصغر، وهي تكاد تنحصر في الشريحة الأعلى سناً، وهو ما يطرح أسئلة جادة ومقلقة حول قدرة هذه النخبة على تجديد دمائها وأجيالها، وليس فقط مدى حقيقة تمثيلها للشرائح العمرية للشعب الأمريكي، وهي أسئلة تتعلق بالتحديات الكبرى التي يواجهها النظام السياسي الأمريكي سواء في الحاضر أو في المستقبل.