مناورات إخونجية لإنقاذ حركة النهضة من عزلتها السياسية في تونس
قالت أوساط سياسية تونسية مقربة من حركة النهضة الإخونجية، إن رئيس الحركة راشد الغنوشي وجد في الدعوة إلى انتخابات مبكرة مناورة غرضها كسر عزلته داخل حركته وفي المشهد السياسي التونسي ككل، مشيرة إلى أن رئيس البرلمان المجمّد فقد الاتصال بأغلب السياسيين والأحزاب تماما مثلما فقد أيّ تواصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية، فيما بدأت تتكشف ملامح مناورة جديدة للتنظيم الإخونجي من خلال تأسيس حزب سياسي جديد بنفس المرجعيات والأهداف.
وأشارت إلى أن مَن تبقى مِن قياديي النهضة الذين لم يستقيلوا بعد حمّلوه مسؤولية العزلة التامة التي باتت تعيشها الحركة، حيث لم تعد الأحزاب والشخصيات تقبل أيّ تواصل علني مع النهضة ورئيسها، فضلا عن مشاركتها في أيّ موقف سياسي بما في ذلك المعارض لقيس سعيد وسياساته.
وفي حوار مع جريدة “الصباح” اليومية المحلية، سعى الغنوشي لإظهار دعمه لإجراء انتخابات مبكرة، قائلا “إما أن يتراجع الرئيس قيس سعيد عن قراراته أو تحسم الأزمة بانتخابات مبكرة”.
سأنسحب من رئاسة المجلس
وقال الغنوشي “إن كان الحل في استقالتي، فإنّي لن أتأخّر في الإعلان عنها وسأنسحب من رئاسة المجلس”، متسائلا “لماذا أنا دون المواقع السيادية الأخرى”، في تلميح لاستقالة رئيس الجمهورية هو أيضا.
واعتبر محللون وسياسيون تونسيون أن الغنوشي يعتمد على المناورة لجلب الانتباه إليه مجددا من خلال إطلاق تصريحات توحي باستعداده للاستقالة في وقت لم يعد لهذه الاستقالة من معنى سواء من رئاسة البرلمان حين كانت خطوة ضرورية لمنع فوضى البرلمان، أم من رئاسة النهضة، حيث كانت ستمنع موجة الاستقالات التي عرفتها النهضة وأدت إلى شروخ وشقوق تنذر بنهايتها.
وأضاف هؤلاء أن الغنوشي، الذي عرف بقدرته على اقتناص الفرص، يريد أن يتحول إلى قبلة لوسائل إعلام محلية وأجنبية من خلال دعمه سلسلة من الأفكار والمبادرات حتى يكسر العزلة السياسية والإعلامية من حوله، وهو أمر لم يتعود عليه من قبل.
ويأتي تصريح رئيس حركة النهضة الإخونجية بشأن الانتخابات المبكرة في محاولة للركوب على مبادرة مجموعة من السياسيين الحزبيين والمستقلين كانوا أطلقوا الاثنين مبادرة تضمنت مجموعة من العناصر من بينها “إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها خلال النصف الثاني من سنة 2022”.
تكتيك آخر
واعتبر المحلل السياسي التونسي محمد ذويب أن “تصريحات راشد الغنوشي هي تكتيك آخر يريد من خلاله إنقاذ حركته التي تشهد مشاكل داخلية وباتت مهددة بالتفتت، وخارجية بعد أن رفع الخارج يده عنها”.
وقال ذويب، إن “الغنوشي يريد الاستقالة للخروج بمظهر الشيخ الحريص على مصلحة البلد ويبدي استعداده للتضحية بمنصبه من أجل مصلحة الجماعة”.
وأضاف أن “حديث رئيس حركة النهضة عن انتخابات مبكرة وبنفس الأرضية التي دارت فيها الانتخابات السابقة يريد من خلاله إعادة حركته إلى الواجهة، وهو المحظور الذي لن يقع فيه الرئيس قيس سعيد المصرّ على تطبيق القانون في علاقة بتقرير محكمة المحاسبات وتغيير النظام السياسي عبر الاستفتاء الشعبي”.
وكان الرئيس قيس سعيد دعا في أكثر من مرة القضاء إلى “تحمّل مسؤوليته في محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وخاصة التجاوزات المالية” خلال الانتخابات السابقة التي جرت عام 2019، في إشارة إلى ما توصلت إليه محكمة المحاسبات من قرائن وأدلة تدين بعض الأحزاب، وهو ما قد يقود إلى حلها.
ومن شأن طرح مبادرات جديدة، ولو كانت غير ذات جدوى، أن تحمل النقاش السياسي إلى ملعب آخر بعيدا عن قضية المحاسبة وحل الأحزاب، وهو ما قد يكون الغنوشي قد وجد فيه فرصة لإعادة خلط الأوراق. لكن محمد ذويب اعتبر أنه مهما سعى رئيس حركة النهضة للمناورة فإن “تكتيكاته ومخاتلاته لن تنطلي مرة أخرى على التونسيين”.
الغنوشي انتهى
من جهته اعتبر المنجي الرحوي النائب في البرلمان المجمد، أن “الغنوشي انتهى وكل ما يقوله بعد تاريخ الخامس والعشرين من يوليو (الإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد) هو هراء”.
ولاحظ المراقبون أن رئيس حركة النهضة أظهر في حواره أنه لم يتغير ولم يستفد ممّا جرى من أجل إحداث المراجعة الضرورية لمستقبل حركة النهضة، حيث لم يشر من قريب أو بعيد إلى أيّ أخطاء أو تقصير في أدائه على رأس البرلمان، أو دوره في السنوات العشر الأخيرة التي عاشت تونس فيها على وقع أزمات متعددة.
حزب سياسي جديد
وفي سياق بحث الإخونجية عن محاولات لإنقاذ حركتهم، تمكنهم من العودة إلى المشهد السياسي في البلاد، بدأت تتكشف ملامح مناورة جديدة بعد إعلان القيادي المنشق عن حركة النهضة عبد اللطيف المكي تأسيس حزب سياسي جديد يحمل الأيديولوجيا والأهداف ذاتها.
ولم ينكر المكي تدشين الحزب على بقايا حركة النهضة الإخونجية المنبوذة شعبيا في البلاد، لكنه أكد في تصريحات صحفية عدة أنه يسعى ومعه القيادات المنشقون عن الحركة إلى تأسيس كيان سياسي جديد، دون الإفصاح عن تفاصيل أخرى.
تمت بحضور راشد الغنوشي
وقالت مصادر تونسية مطلعة إن المناقشات الخاصة بتأسيس الحزب الجديد تمت في وجود راشد الغنوشي زعيم الحركة الإخونجية، وليست حركة انشقاق كما يحاول الإخونجية الترويج لها.
وأوضحت المصادر، أن لجوء الإخونجية إلى تأسيس حزب جديد يأتي في إطار خطة متفق عليها بين جميع الأطراف من أجل الحفاظ على مساحة للقوى الإخونجية في المعادلة السياسية داخل البلاد، بعيدا عن النهضة التي سجلت شعبيتها انهيار غير مسبوق على مدار الأشهر الماضية.
وتتوقع المصادر أن يتولى القيادي المستقيل سمير ديلو قيادة الحزب الجديد مع زملاءه، عبد اللطيف مكي ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب المعلّق مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي.
ووفق المصادر، تعكف لجنة من القيادات ومعها سياسيين من تيارات أخرى على دراسة الإجراءات القانونية والتمهيدية لتأسيس الحزب وفق ما يحدده الدستور التونسي وينص عليه قانون تنظيم الأحزاب، مشيرة إلى أن الأمر كله ما يزال قيد المناقشات، في انتظار استقرار الوضع السياسي في البلاد إلى حد يسمح بتدشين الأحزاب والدعاية لها، خاصة في ظل انتشار أنباء شبه مؤكدة عن احتمالية تعديل الدستور.
انهيار غير مسبوق
وتشهد الحركة الإخونجية انهيار غير مسبوق في شعبيتها حسبما أظهرت عدة استطلاعات جرت مؤخراً، مقابل تنامي ثقة المواطنين في الرئيس قيس سعيّد ودعمهم الكبير لقرارته.
ويرجح المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، أن يكون الحزب الجديد مجرد امتداد لحركة النهضة المحاصرة شعبيا وسياسياً بعد إجراءات الـ25 من يوليو الماضي، التي جاءت بناء على رغبة الشعب وتحقيقا للعدالة التي طلبها التونسيون كثيرا.
قسمان بنفس المرجعية
ويقول الجليدي إنه كان من المتوقع أن تنقسم النهضة إلى حزبين، بنفس المرجعية، بحيث يبقى الغنوشي رئيساً لأحدهما، ويتم تشكيل الآخر من قيادات الحركة الذين أعلنوا استقالتهم خلال الفترة الماضية، وستكون محاولة لاحتواء الشارع التونسي وكسب أرضية سياسية جديدة.
ويشير الجليدي إلى أن الصراع الذي تشهده حركة النهضة في الوقت الحالي ليس جديداً، لكنه خرج إلى العلن بالتزامن مع التطورات السياسية التي تشهدها البلاد وهزيمة النهضة، وتراجع شعبيتها في الشارع التونسي.