نحن والرد.. هم والرد
عبدالجليل السعيد
تعيش المنطقة ولا تزال على وقع أزيز الرصاص وسردية المغامرات وحكايات العدوان المؤلمة، وكل هذا لا قيمة له، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حياة عشرات ألوف المدنيين في غزة المنكوبة والمسلوبة الإرادة، دون قدرة لشعبها الفلسطيني المسكين على أن يقول كلمته.
ولعل مستجدات الأوضاع بين إسرائيل وإيران فرضت نفسها إعلامياً وسياسياً وميدانياً، فهي المرة الأولى التي تعترف فيها إيران أنها استهدفت إسرائيل، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل أنها ستضرب داخل إيران، مما يجعل الحقائق مكشوفة ومعروفة للجميع.
أولاً: إيران كما قال المثل العربي الشهير “تمخض الجمل فولد فأراً”، وردها الذي تعتبره رداً، كان دون المتوقع وغير مستغرب، بل كان محدوداً ومتواضعاً ومعلوم التوقيت والأهداف قبل 72 ساعة من حصوله ، باعتراف وزير الخارجية الإيراني نفسه حسين أمير عبداللهيان.
ثانياً: سقف إيران العسكري بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول كان ولا يزال سقف الفضائح والنصائح، فتلك فضائح المساومة وليس المقاومة، حين لبس أهل غزة الأكفان وذهبت طهران لتقبض من الولايات المتحدة الأمريكية الأثمان، بناء على نصائح بالتهدئة وضرورة الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما قال رئيس إيران إبراهيم رئيسي.
ثالثاً: ظهر العرب بقيادة الإمارات والسعودية في أفضل حال يذكر، جهودهم الكبيرة في المساعدات الإنسانية والسياسية يشهد لها العدو قبل الصديق، وتنسيقهم رفيع المستوى فيما بينهم أجبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على القول قبل أيام: إن حلفاء أمريكا في المنطقة العربية يرون الدولة الفلسطينية حلاً واقعياً لا مفر منه، وعلينا في واشنطن أن نصغي لهم”.
رابعاً: خطاب المليشيات المتأيرنة والدائرة في فلك الإخوان، هو خطاب الهدم والتطرف الذي يحبذه وزراء متشددون في حكومة نتنياهو من أمثال سموترتيش وزير المالية الإسرائيلي وصديقه إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وبالتالي البلاء واضح، تطرف في خدمة تطرف مقابل، وسيل من الدماء لا يمكن توقعه أو توقع توقفه.
خامساً: قد يختفي مفعول الرد الإيراني المزعوم بمجرد معرفة مفاعيله على الأرض، فنحن أمام رد نتاجه صفري غير رادع لتل أبيب، من حيث تبنيها استراتيجية عسكرية مستمرة في قصف أهداف إيران داخل سوريا، بالتنسيق مع روسيا ذات اليد الطولى هناك، كما صرح بذلك وزير دفاع إسرائيل نفسه يوآف غالانت قبل ساعات، فأين أهازيج إيران بزعمها وجود تحالف وثيق مع موسكو التي تسمح لطائرات إسرائيل بقصف ما تشاء وما تريد من أهداف إيرانية داخل الجغرافية السورية؟.
سادساً: هم سيقولون لك، وأقصد هنا عرباً متأثرين بالرواية الإيرانية: إن طهران تمتلك زمام المبادرة بالهجوم على إسرائيل، وهنا ستقول لهم: قتلت إسرائيل كبار قادة إيران، ولم تستطع إيران جرح جندي إسرائيلي، حتى لو كان من قوات الاحتياط، فأين هو مفهوم الرد في العد الصحيح للخسائر يا سادة؟.
سابعاً: الأردن هو الحاضر بقوة في مشهد الرد والرد المرتقب، لأن عمان سجلت سابقة تاريخيّة غير مستغربة، بدفاعها المشروع عن سيادة أجوائها، ولأن إيران عجزت عن مواجهة إسرائيل، فإنها لجأت لإسقاطات سياسية مرفوضة ضد المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا ما أكد عليه الناطق الرسمي باسم حكومة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وعلى أساسه تم توبيخ إيران عبر استدعاء سفيرها في عمان لمقر الخارجية في الأردن.
أخيراً، فإن كلاً من قيادتي البلدين في إسرائيل وإيران تعيشان تحت وطأة السوط الأمريكي لهما، والذي ترسمه واشنطن من حدٍ يتجاوز ما تفكر به إسرائيل من ردٍ، أو ما ادعته إيران بأنه رد، وإن كان العاقل لا يغفل ضعف بايدن في خياراته، وقد شارفت إدارته على التحول للعمل كـ”بطة عرجاء” بحسب المصطلح الأمريكي الانتخابي الشهير الذي يسبق الحملات الرسمية للراغبين بالوصول إلى المكتب البيضاوي أو المكث فيه بداية العام 2025 القادم .