نهاية القرن الأميركي.. ماذا ينتظر الشرق الأوسط؟
لا يمكن وصف الضجة التي أحدثها التقرير الذي نشرته مجلة نيوزويك خلال الساعات القليلة الماضية بشأن ما أصبح واضحا للعيان من أن بداية النفوذ الأميركي وهيمنته على العالم قد بدأت في الانحسار على كل المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية.
وكان أول شيء استوقفني في هذا الشأن هو الضجة بالقرب هنا من الكابيتول في واشنطن والتي تتحسر في معظم النقاشات على ما ستخسره أميركا في الشرق الأوسط وهي التي جعلت من موارده رافعة لسياساتها وهيمنتها على اصقاع الأرض منذ تفجر النفط واعتماد العالم عليه طوال قرن مضى.
كباحثة في علم الاجتماع السياسي ومتخصصة في علاقة أميركا بالشرق الأوسط أثار استغرابي تلك العروض العديدة من إذاعات وقنوات أميركية تطلب مني الظهور في حوارات حول هذا النقطة تحديدا، حيث أنني لم يسبق لي الاستضافة على شاشة أميركية وقد نشرت اللقاءات المطولة التي أجريت معي خلال الأسبوعين الماضيين بشأن هذا الأمر على موقعي الإلكتروني.
في تلك الحوارات قلت إن أسبابا عديدة أوصلت هذا القرن الأميركي إلى “الأفول” من سطوته على الشرق الأوسط ويمكنني أن الخص تلك الأسباب فيما يلي:
أولا: الولايات المتحدة لم تعد تملك ذلك “السحر الدبلوماسي”، الذي سيطرت به على العالم منذ ما بعد حرب فيتنام وحروب العرب وإسرائيل ما قبل السلام المصري الإسرائيلي.
ومنطقة الشرق الأوسط هي على الدوام كالبركان الذي يحلم المحيطون به بأمطار السماء تطفئ نيرانه، لكن أميركا لم يعد لديها الوقت ولا الفرص الواقعية لهذا الأمر والديمقراطيين في أميركا لا زالوا يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة المستجدة.
وهنا استعير عبارة توماس فريدمان حول أن الهدف الأساسي للسياسة الأميركية كان الاحتفاظ بالتفوق وهو أمر لا يدوم.
وأقول هنا أن تغيير الأنظمة الحاكمة أصبح أمرا مستحيلا على ساسة أميركا وحتى الدول التي فرضت عليها عقوبات التفت عليها بوسائل عديدة.
والشرق الأوسط منذ حرب الكويت وهو يدفع ثمن سياسات يمكن وصفها بأنها (حماقات أميركية).
ثانيا: لم تعد الولايات المتحدة الشريك الاقتصادي الموثوق إذا ما قورنت بشريك لم يتورط على الدوام في حروب متجددة وأقصد هنا “المارد الصيني” فنصف العالم على الأقل سيعتمد مستقبلا على طريق الحرير الصيني ولن تكون الصين بالنسبة له رقما عابرا بل ستكون الاقتصاد الذي يأخذ ويعطي دون تهديد بحروب كارثية أو صفقات يشوبها عامل الهيمنة المطلق من باب ضعف الطرف الآخر والذي هو في حالتنا هذه “الشرق الأوسط ” عندما يوضع في موازاة الاقتصاد الأميركي خلال المرحلة الماضية.
ثالثا: تعدد الأقطاب، وهنا يكفينا إعلان الولايات المتحدة على لسان رئيسها الحالي أن القوى العظمى أصبحت مضطرة لإدارة التنافس وهذا اعتراف ما كان ليتجرا عليه رئيس أميركي لولا أنه أصبح حقيقة دامغة.
فروسيا استطاعت سحق ثوار سوريا براجمات الصواريخ في أسابيع قليلة في العام 2016 دون استشارة أميركا وحلفاءها.
والصين أصبحت الشريك الذي لا بد من التوقف عند خاطره لأكثرية دول العالم ويدخل ضمنها الشرق الأوسط بكل مكوناته ودوله والاتحاد الأوروبي وعلى لسان الرئيس الفرنسي أصبح يريد الفكاك من الهيمنة الأميركية وبالتالي لم تعد الظروف مواتية ولا حتى في الغرف المغلقة للقول بأن هناك قطبا واحدا يحكم العالم.
اليوم لا يمكننا ولا يليق بنا أن نقول إن الولايات المتحدة غاب نفوذها عن الشرق الأوسط لكنها أي الولايات المتحدة في حاجة إلى وقفة تأمل يشير لها الرئيس ترامب في كل خطاباته منذ مطلع هذا العام للإجابة على التساؤل الأكثر أهمية: كيف أصبح هذا حال الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط؟
أخيرا أقول إن عليها- أي الولايات المتحدة – وهذا رأيي المتواضع أن تبحث عن مجالات تنافسية بعيدة عن إثارة المشاكل الإقليمية فقد استطاع المنافسون لها بعد أن هزمتهم سابقا في الحرب الباردة أن يستعيدوا أدوارهم وباتوا عنصرا أساسيا في هذا الشرق الأوسط الذي يسأل نفسه الآن.. هل نحن قادرون على الخروج من “القمقم الأميركي”؟
أم هناك كثير من الأفخاخ في ذلك الطريق لا نعرفها حتى الساعة؟