نوبل للسلام لا تثني آبي أحمد عن التلويح بالحرب ضد مصر
محمد أبو الفضل
وضع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، سقفا سياسيا منخفضا للقاء المنتظر بينه وبين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على هامش القمة الروسية- الأفريقية في سوتشي، الأربعاء والخميس، عندما أكد “أنه لا توجد قوة يمكن أن تمنع إثيوبيا من بناء سد النهضة”.
حملت هذه الإشارة رفضا إثيوبيا قاطعا لأي ضغوط يمكن أن تمارس على رئيس الوزراء، أو تعديل متوقّع على الخطط التي ارتضتها أديس أبابا حتى الآن، حتى لو تعارضت مع مصالح مصر، التي أعلنت رفضها لها، وطالبت بإخضاع المشروع الإثيوبي لدراسات فنية دقيقة.
أكدت تصريحات آبي أحمد المفاجئة الأربعاء، أن اللقاء الثنائي حال انعقاده بين الزعيمين، سيكون بروتوكوليا وبلا مضمون سياسي حقيقي، ولا أحد ينتظر تغييرا جذريا في الموقف الإثيوبي، لأن مضمونه قطع الطرق على أي محاولات يمكن أن تقوم بها موسكو لتقريب وجهات النظر بين البلدين، اتساقا مع تلميحات دوائر مصرية ذهبت إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين يمكن أن يلعب دور الطرف الرابع الذي تبحث عنه القاهرة لتقريب المسافات الفنية.
نزع رئيس الوزراء الإثيوبي ورقة من معارضين له، روّجوا أنه سيلتقي الرئيس السيسي، وسيقدّم تنازلات عن بعض الثوابت القومية التي أنشئ من أجلها السد، وزايد الرجل سياسيا على من شككوا في نواياه وليونته بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام مؤخرا.
ولجأ آبي أحمد إلى عدم استبعاد اللجوء للتصعيد العسكري، “ليس هناك خيار آخر. الحرب لا يمكن أن تكون حلا. إذا لزم الأمر، يمكن لإثيوبيا حشد مليون شخص”، في إشارة قوية على حجم التلاحم الوطني، وتقديم تضحيات كبيرة بلا تنازلات في المواقف المبدئية.
ورغم المخاوف المصرية العديدة من التأثيرات السلبية لبناء السد، غير أن أحدا من المسؤولين لم يصرح بأي اتجاه لخوض حرب، وكل ما جاء عنها انصب في تعليقات متفرقة ظهرت من خلال بعض وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من النخبة المهتمة بالقضية، ولا يعتدّ بها سياسيا، سلّطت الأضواء على قدرات مصر العسكرية الكبيرة، وحصول إثيوبيا على معدّات حديثة لحماية السد من أي مخاطر مسلحة.
وأوقف العالم الجيولوجي المصري، أسامة الباز، قبل أيام في أحد البرامج التلفزيونية، طوفانا من الجدل والتعليقات الإعلامية غير الرشيدة، عندما أكد قوة ومتانة جسم السد الإثيوبي، وصمّم لتحمّل أي هزات طبيعية أو غير طبيعية، بما يوحي أنه تمت دراسته بشكل جيد.
لم يُدل آبي أحمد بتصريحات كثيرة أو حادّة حول مشروع سد النهضة من منذ فترة، وتعمّد أن يكون خارج دائرة الصخب والتراشق، وتكفّلت وزارة الري بتصدر الجناح التصعيدي في حكومته، ومعادلة السخونة التي ظهرت عليها تصريحات وزارة الريّ في مصر، وحمّلت أديس أبابا وحدها مسؤولية الإخفاق الحاصل في المفاوضات بين الجانبين، ومعهما السودان.
وتجد الحكومة الإثيوبية في سد النهضة وسيلة جيدة لتلاحم وطني مفقود منذ عقود، وجاء آبي أحمد لينهي حقبا طويلة من الخلافات والحروب بين القوميات المختلفة في البلاد، ومن الصعوبة أن يتخلّى عن هذه الورقة مهما كانت الإغراءات والضغوط الخارجية.
أضاف الموقف المتشدّد من جانب آبي أحمد إليه الكثير من المكاسب على المستوى الداخلي، ووضعه قبل أن يتم عامه الثاني في السلطة ضمن الزعامات التاريخية في البلاد، ويزيل عنه بعض الالتباسات التي شككت في قدرته على توحيد الشعوب الإثيوبية، أو أن ميله إلى تعميم السلام في الداخل والمنطقة يخفي ضعفا عن ممارسة القوة والحسم.
اتبع رئيس الوزراء الإثيوبي نهجا قريبا مما اتبعه الرئيس المصري، مع فارق في المنطلقات والأهداف النهائية، عندما بدأ الأخير يُكثر من أحاديثه فجأة حول سد النهضة، ويقدّم تفسيرات ومبرّرات تفيد بصعوبة الأزمة، لكنه تعمّد وضعها على عاتق حكومات مصرية سابقة، وحمّل ثورة يناير 2011 جانبا كبيرا من المسؤولية، حيث أدّت تداعياتها إلى شلل في أداء الكثير من الأجهزة المختلفة.
كان خطاب الرئيس السيسي مليئا بالإشارات والرسائل الخارجية، ثم الداخلية التي قصد من ورائها وقوف الناس خلف أيّ إجراءات قاسية يمكن أن يتخذها للتقشّف، أو عدم استبعاد تقبّل انتقال سد النهضة من مشروع محتمل إلى كيان مكتمل الأركان، يجلب على مصر خسائر مائية ضخمة من الواجب التصدي لها والبحث عن بدائل.
وعلى غير العادة انتقل الكلام عن الانسداد في أزمة سد النهضة من الغرف المغلقة في مصر إلى الحكومة والبرلمان والشارع ووسائل التواصل، وكأن الغرض من ذلك تهيئة الرأي العام لشيء ما مجهول، أو ربما توظيفه في إطار حزمة المخاطر التي تهدّد الأمن القومي المصري، ووقف بعض القوى عن التحريض ضد الحكومة.
في الحالتين أراد النظام الحاكم الحصول على مزايا عدة، تجعل الناس تقف خلفه وسط تراكم الأزمات الاقتصادية التي لا تريد الحكومة أن تضيف إليها تأثيرات متفاقمة تأتي من سد النهضة، والقبول بأيّ عثرات يواجهها الطريق التفاوضي مع إثيوبيا.
لم يمنع التشدد الظاهر في الخطابين المصري والإثيوبي، من حرص الطرفين على مواصلة الحوار. غير أنّ الأول يعوّل على إدخال تعديل في موقف أديس أبابا، بينما ينطوي الثاني على تمسك بالنقطة التي يقف عندها الآن، أي دون تغيير جذريّ في الحسابات. الأمر الذي يجعل ملفّ سد النهضة يدخل رسميّا مرحلة الانسداد، والتفكير في بدائل مصرية جادّة للتعامل مع انعكاساته، وتحديد الخيارات بدقة لا تحتمل التسويف.