هل استقرت تركيبة المرشحين لانتخابات تونس
أعادت المحكمة الإدارية ثلاثة مرشحين كانت هيئة الانتخابات قد رفضت ملفاتهم بسبب ما قالت إنه قصور في ملف التزكيات. الأمر يبدو عاديا لأن القضاء في النهاية هو من يحسم الخلاف، وهو من يلتجئ إليه المتخاصمون للحسم. لكن تصريحات رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر أثارت جدلا كبيرا خاصة وقد فهم منها أن الهيئة يمكن أن تعيد النظر في الترشيحات والمرشحين بالرغم من قرار المحكمة الإدارية.
قال بوعسكر إن “مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سيطّلع على منطوق أحكام المحكمة الإدارية وحيثياتها وتعليلها ويأخذ بعين الاعتبار النصوص التي صدرت عن المحكمة الإدارية وأيضا يأخذ بعين الاعتبار أحكاما جزائية صادرة في المادة العدلية في خصوص تدليس التزكيات وسيتخذ المجلس قراره في اجتماع له ويعلن عن القائمة النهائية للمرشحين”.
وأضاف أنّ “مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هو الجهة الدستورية الوحيدة التي ائتمنها الدستور على ضمان سلامة المسار الانتخابي وسيكون قرار الهيئة متطابقا للقانون والدستور”، وهو ما يعني أن أحكام القضاء الإداري موقف يمكن مراجعته، وأن هيئة الانتخابات صاحبة القرار، ما يعني أن من صعدتهم المحكمة الإدارية يمكن أن تمنعهم الهيئة أو تمنع بعضهم من الترشح.
صار صراع إرادات داخل مؤسسات الدولة، خاصة أن الكثير من القضاة من القضاء الإداري أو من القضاء العدلي قد وصفوا تصريحات بوعسكر بأنها خطيرة، وأن لا حكم في شأن الانتخابات يمكن أن يغير الحكم البات الذي أقرته المحكمة الإدارية.
وبقطع النظر عن صراع الإرادات القضائية الذي يظهر في جانب منه أن القضاء ما يزال قوة مؤثرة، وأنّ لا صحة لاتهامه بأنه بات تحت قبضة السلطة، فإن العودة عن ترشيح من يحسبون على المعارضة بشقيها الإسلامي (حركة النهضة وتفرعاتها) والدستوري (نسبة إلى الحزب المؤسس للدولة الوطنية وتفريعاته المختلفة) ستمثل انتكاسة ليس فقط بالنسبة إلى صورة الانتخابات، ولكن أيضا لصورة تونس الخارجية.
لن ينظر المراقبون للشأن التونسي إلى تفسير التأويلات القانونية ولا صراع الإرادات والمؤسسات، فهو لا يعدو أن يكون تفسيرا ضمن جدل الداخل. سينظرون إلى الأمر على أنه تدخل من السلطة ضد إرادة القضاء خاصة في ظل ما بات يحيط من شكوك بشأن هيئة الانتخابات ومدى استقلاليتها عن السلطة.
بقاء المرشحين الستة مهم لإعطاء انطباع جدي عن أن الانتخابات يمكن أن تكون نزيهة ومتوازنة ويزيد من الاهتمام بها دوليا، إعلاميا وحقوقيا ودبلوماسيا، وأيّ فائز في موعد السادس من أكتوبر، بمن في ذلك الرئيس الحالي قيس سعيد، سيحكم براحة كبيرة من دون وجع رأس وانتقادات على الكبيرة والصغيرة.
وقد يكون قيس سعيد أكثر المستفيدين من المشهد المتوازن، فهو في موقع قوة لاعتبارات منها أنه في السلطة، والجمهور في أغلبه يصوّت لمن هو في المشهد، والذي يتحدث كل يوم ويتحرك يمنية ويسرة لمعالجة تفاصيل تهم الناس. كما أن المؤشرات تقول إنه ما يزال في واجهة اهتمام الناخبين، وإن من الصعب على منافسين مصنفين ضمن منظومة دولة العميقة بوجهيها 2011 وما قبلها أن يتحدّوه. صحيح أن أحدهم سيمر لمنافسته في الدور الثاني، لكن لا شيء يمنع قيس سعيد من الفوز.
الديمقراطية بهذه الصورة تخدم قيس سعيد ولا تضرّه، وهي قد تعطيه فرصة لاستعادة خطابه المناوئ لمنظومات الحكم السابقة وتبيان أخطائها مثلما أن غيره من المرشحين بمن في ذلك المحسوبون على 25 يوليو سيهاجمون سياساته منذ 25 يوليو 2021، ما تحقق منها وما لم يتحقق، وخطاب المؤامرة، وهذا أمر منطقي وهو أساس الديمقراطية. لا يمكن لأيّ كان أن ينافس نفسه ليفوز أو لا معنى لأن يضع حوله مرشحين صغارا لينتصر عليه، فهذه خطوة تضعف الديمقراطية وتهز صورة السلطة.
ميزة المشهد الانتخابي الحالي، وهو مؤقت إلى حين إصدار هيئة الانتخابات للقائمة النهائية، أنه اختصر المشهد في ثلاثة كتل وازنة، كل كتلة فيها مرشح وازن وآخر صغير.
الكتلة الأولى يمثلها قيس سعيد وزهير المغزاوي، وهي ممثلة لمسار 25 يوليو. قيس سعيد يبدو إلى حد الآن مرشحا فوق العادة للاعتبارات التي ذكرنا بعضها، وخاصة وجوده في السلطة، ومعاركه ضد المنظومة السابقة واستعادة وحدة الدولة وقبضتها وقدرتها على إدارة المشهد بدلا من أن يكون دورها هامشيا. في بقية المسارات هناك جدل حول تجربة قيس سعيد بين من يرى أنها حققت مكاسب أو وضعت البلاد على عتبة التغيير، ومن يرى أن الرئيس المنتهية ولايته لم يحقق الكثير، وأن إدارة الدولة لا تحتاج إلى خطابات يومية بل إلى عمل دؤوب يرى الناس نتائجه على الأرض.
بالنسبة إلى المغزاوي تبدو الأمور معقدة في طريقه لاعتبارات أنه كان جزءا من مسار 25 يوليو هو وحزبه، أي حركة الشعب. من الصعب الآن أن ينأى بنفسه عنه أو أن يكيل له انتقادات حادة كما فعل المغزاوي قبل أيام، فالناس لا تعرف أسباب تغيير حركة الشعب لموقفها واستدارتها الكاملة، وتعرف فقط أنه كان مع قيس سعيد ثم انقلب عليه.
صحيح أن الأمر كان مختلفا، وأن حركة الشعب دعمت 25 يوليو من اللحظة صفر، أي منذ كان نقاشات جنينية، وهدفها كان واضحا إسقاط ما تسمّيه حكم حركة النهضة، واستغلال الفرصة لاكتساب دربة في حكم الدولة بالشراكة مع قيس سعيد، الذي كان وقتها بلا حزب ولا كتلة داعمة، ليتضح لاحقا أن الرئيس سعيد لا يريد شريكا في السلطة ولا في الصلاحيات، ولا يحتاج إلى من يقول إنه “حزام الرئيس” أو “حزب الرئيس”.
كان المغزاوي سيستفيد من جمهور النهضة الغاضب على قيس سعيد ومن جمهور الدولة العميقة لما قبل 2011، لكن قرار المحكمة بإعادة عبداللطيف المكي المحسوب على النهضة وعماد الدايمي القريب منها، ومنذر الزنايدي مرشح الدولة القديمة قطع فرضية استفادة مرشح حركة الشعب من الغضب على أداء قيس سعيد، وسيصعّب مهمة المغزاوي في المرور إلى الدور الثاني.
وبالتوازي مع كتلة 25 يوليو، نجد كتلة النهضة، أي المكي، والدايمي. المكي، ورغم أنه استقال من النهضة ووجه انتقادات لاذعة لرئيسها راشد الغنوشي، إلا أنه ينتظر أن يحصل على دعم قوي من جمهور النهضة، وسيمثل اختبارا لشعبيتها وإن كانت فعلا قد فقدت شعبيتها بعد فشل تجربتها في السلطة، وهل يكفي فقط انتقاد أداء قيس سعيد للعودة إلى الواجهة.
بالنسبة إلى الدايمي، الأقرب أن دوره سيكون الحصول على أصوات بعض حلفاء النهضة القدامى من بقايا أنصار المرزوقي والتيار الديمقراطي بشقه القريب من الإسلاميين. كما أنه سيأخذ جزءا ولو محدودا من أنصار النهضة الذين لم يغفروا للمكي استقالته عنها أو الذين لم يغفروا للحركة تحالفها مع المنظومة القديمة، أي نداء تونس ثم تحيا تونس.
الكتلة الثالثة هي كتلة الدولة القديمة، وتضم مرشحين هما المنذر الزنايدي، والعياشي زمال. الأول الأكثر حظا للمرور إلى الدور الثاني ومنافسة قيس سعيد بجدية، وما يساعده على ذلك هو عدم الحكم بإعادة عبير موسي إلى سباق الانتخابات ليتقدم الزنايدي مدعوما بأغلب قوى المنظومة القديمة وكتلها.
ويحيل الزنايدي إلى زمن ما قبل ثورة 2011، أي عهد بن علي، وانتمى إلى الحزب الحاكم آنذاك، التجمع الدستوري الديمقراطي. وصفته السياسية لم تكن ذات أهمية أمام صفته كرجل دولة تكنوقراط؛ حيث عمل في وزارات خدمية متعددة، ما أكسبه قاعدة شعبية. وبالنسبة إلى زمال تبدو حظوظه محدودة جدا، ويكفيه شرف المحاولة لكونه شخصية غير معروفة، وكان من الصف الثاني أو الثالث لنداء تونس ثم تحيا تونس.