هل تتراجع أنقرة عن تصلبها في عضوية السويد الأطلسية؟
أعلن وزير الدفاع السويدي، بال جونسون، عن تمسك بلاده بمذكرة التفاهم المبرمة مع تركيا في 28 يونيو/حزيران المنصرم على هامش قمة مدريد، بغية انضمام ستوكهولم إلى حلف شمال الأطلسي.
لكن القيادات التركية ترد متسائلة، لماذا لا تنفذ بلاده البنود المتفق عليها لتنهي هذا الملف تماما كما فعلت فنلندا في مطلع شهر أبريل/نيسان المنصرم وتلتحق بالحلف؟
الإجابة تأتي على لسان وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم نفسه الذي يقول إن بلاده قد أوفت بجميع شروط الانضمام إلى الناتو، وأن الكرة في ملعب تركيا الآن لتنفيذ وعودها قبل قمة الحلف في فيلنيوس في 11 يوليو/تموز المقبل. القيادات التركية تردد غير ذلك تماما.
هي ترى أنه إلى جانب عدم تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة في العام المنصرم على هامش قمة مدريد، هناك ممارسات “صادمة” من قبل استوكهولم لا يمكن قبولها.
السويد وبدلا من التعامل بجدية مع المطالب التركية والتعهدات التي قدمتها قبل عام على طريق عضويتها في الحلف، تتجاهل رفع علم حزب العمال الكردستاني على مقر البرلمان السويدي قبل أيام.
لا بل ما أغضب أنقرة أكثر هو تصريحات رئيس الوزراء السويدي وهو يقول إن المستفيد من عدم دخول السويد إلى حلف الناتو هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكأنه يوجه أصابع الاتهام نحو أنقرة، بأنها هي التي تعرقل العملية وتحاول خدمة موسكو هنا.
عدم توجه وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو إلى أوسلو الأسبوع المنصرم للمشاركة في اجتماعات وزراء خارجية حلف الأطلسي، سببه ليس الانتخابات التي جرت في البلاد ووجود مرحلة انتقالية دستورية.
بل هو ردة فعل سياسية واضحة من قبل أنقرة على سلوك ستوكهولم الأخير الذي أغضبها. هناك بنود أساسية تم الاتفاق عليها وتعهدت السويد بتنفيذها، بينها موضوع توصيف وتعريف بعض المجموعات التي ترى فيها أنقرة أنها إرهابية وتطالب استوكهولم بتبني ذلك وتضييق الخناق على تحركات هذه المجموعات فوق أراضيها، وكل ذلك لم يكتمل.
كررت القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية أكثر من مرة أن موضوع عضوية السويد في الناتو مسألة تتعلّق بالعلاقات التركية – الأطلسية وليس التركية – الأمريكية. لكن أنقرة وواشنطن يعرفان أن خلافاتهما حول ملفات ثنائية وإقليمية تشكل عقبة أساسية في طريق استوكهولم التي تقول ذلك أيضا.
تحولت عضوية السويد في الأطلسي إلى مواجهة تركية غربية شئنا أم أبينا.
تطالب تركيا السويد بتنفيذ بنود اتفاقيات البروتوكول الثلاثي الموقع على هامش قمة حزيران المنصرم كي تتراجع عن حق النقض الذي تملكه لعرقلة عضويتها الأطلسية.
هي فتحت الطريق أمام هلسنكي قبل أشهر بعدما أعطت أنقرة ما تريد فلماذا تتردد استوكهولم في قبول ما تعهدت به لتركيا؟
أهداف تركيا هي أبعد من الحصول على تنازلات سويدية. هي تريد اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد: دعم خطة المنطقة الآمنة التي تعدّ لتنفيذها على طول الحدود التركية السورية بطول 470 كلم في الأراضي السورية، وتسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين، وعرقلة أي مشروع أمريكي في شرق الفرات عبر اللعب بالورقة الكردية، وتحريك الشق السياسي في ملف الأزمة السورية بدعم أمريكي أو بدونه، وحسم موضوع تردد واشنطن في تسهيل صفقة مقاتلات إف 16 بعدما أبعدت أنقرة عن الشراكة في مشروع المقاتلة إف 35 بسبب ابتياعها لمنظومة صواريخ إس 400 الروسية.
دخول الأمين العام لحلف شمال الأطلسي نيس ستولتنبرغ على خط التوسط بين أنقرة وستوكهولم مهم ربما، لكن الأهم هو توسطه بين أنقرة وواشنطن لإنهاء خلافاتهما التي تعيق عضوية السويد في الحلف. فموسكو جاهزة لمواصلة عروضها نحو أنقرة بهدف تأزيم العلاقات التركية مع السويد، وتوتير العلاقات التركية الأمريكية في ملف التوسعة الأطلسية وتفجير العلاقات التركية الأطلسية ليقود كل ذلك إلى أزمة الوجود التركي في الحلف.
وهنا ستحسم النتيجة لصالح السويد وبالمجان. فهي تبحث عن الاستقواء بالفرصة الأمريكية لإخراجها من ورطتها، عبر الضغط على أنقرة لفتح الطريق أمامها دون تنفيذ المطلوب منها لأنه سيشعل أزمات سياسية ودستورية داخلية. وهي لن تتردد في تقديم مصالحها على الجميع حتى ولو كان ذلك يقود إلى توتير العلاقات التركية الأطلسية وطرح مسألة الوجود التركي في الحلف.
بينما ما يقلق أنقرة هو محاولات الضغط عليها لتجميد عضويتها الأطلسية ولتمرير مشروع ضم السويد إلى الحلف. لكن ما يقلقها أكثر استغلال الفرصة وتحريك أمريكا لورقة قبرص اليونانية وضم الجزيرة بأكملها إلى الناتو كما فعلت المجموعة الأوروبية قبل عقدين.
يقول وزير الخارجية السويدي إن رسائل دول حلف شمال الأطلسي لأنقرة واضحة. هم يريدون أن نكون إلى جانبهم هناك. ويرد وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو ننتظر خطوات ملموسة من جانب استوكهولم قبل التراجع عن التلويح بالبطاقة الحمراء بوجهها.
زيارة الأمين العام لحلف الناتو إلى أنقرة في نهاية الأسبوع هدفها في العلن هو المشاركة في مراسم أداء الرئيس رجب طيب أردوغان اليمين الدستورية بعد إعادة انتخابه.
لكن الهدف هو إقناع الرئيس التركي بتليين مواقفه حيال عضوية السويد في الحلف وفتح الطريق أمام إنجاز ذلك في قمة ليتوانيا المرتقبة في الشهر القادم. المفاجأة هي أن ستولتنبرغ يتطلع إلى أكثر من ذلك قبل انتهاء ولايته على رأس الحلف. هو يقول إن أوكرانيا ستصبح عضواً في الأطلسي “ونحن لا نعرف متى ستنتهي الحرب لكن يجب أن نضمن اتخاذ ترتيبات موثوقة لضمان أمن أوكرانيا في المستقبل”. الرسالة هي لتركيا قبل غيرها.
تردد الكثير من الأصوات والأقلام في تركيا أن أنقرة تعلمت الدرس في العام 2004 ومع خطة كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة للحل في قبرص. هي دعمتها وراهنت عليها لتكون فرصة لحل النزاع في الجزيرة من ناحية وتفتح الطريق أمام عضويتها في الاتحاد الأوروبي لكن أوروبا خيبت آمالها في الملفين. هي اليوم لن تكرر خطأ الوقوع في المصيدة الغربية ومقايضة عضوية السويد مقابل صفقة المقاتلة إف 16 الأمريكية. هي تريد أكثر وأكبر من ذلك.
العقبة الأكبر التي تنتظر أنقرة في علاقتها مع شركاء الناتو لن تكون عضوية السويد بعد الآن، بل عضوية أوكرانيا التي ستطيح بالكثير من التفاهمات بين أنقرة وموسكو . فإغضاب روسيا بالنسبة لتركيا يعني تعريض الكثير من العروض والاتفاقيات والتفاهمات بين البلدين للخطر، وعلى رأسها هدف رفع مستوى التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة وخطر تراجع موسكو عن خطوة تحويل الأراضي التركية إلى مركز تخزين وعبور إقليمي للغاز بين الشرق والغرب والدور التركي في لعبة التوازنات المرتبطة بملفي الحرب في أوكرانيا وتصدير الحبوب.
لكن الأخطر سيكون حتما سياسة روسية جديدة حيال أنقرة في حوض البحر الأسود نقطة التقاطع الاستراتيجي المشترك والتي تريد واشنطن تحويلها إلى ساحة مواجهة تركية روسية بأي ثمن.