هل يشبه يسار بريطانيا بقية اليسار الأوروبي؟
إن فوز حزب العمال البريطاني في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد سنوات من حكم المحافظين يعتبر مفاجأة غير متوقعة، في ظل صعود موجة الأحزاب اليمينية لاسيما في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، وكذلك الفرنسية.
ولكن يبقى السؤال الكبير: هل يشبه يسار بريطانيا بقية أحزاب اليسار الأوروبية؟، لأن المعروف عن أحزاب اليسار خطها الاشتراكي الغريب، والشعارات القائمة أحياناً على استعداء الدول لاسيما في الشرق الأوسط والسياسات غير المتزنة في مسائل دولية حساسة.
ولعل الإجابة على هذا السؤال من الصعوبة بمكان، سيما وأن حزب العمال نفسه في بريطانيا، حظي بزعيم جديد قبل فترة قصيرة، هذا الزعيم هو من ألحق الهزيمة بالمحافظين، وجعل ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته يذرف الدموع ويقدم الاستقالة على عجل.
وفي بريطانيا هناك تقليد سياسي متعارف عليه، يسمى حكومة الظل، أي أن الحزب الخاسر في الانتخابات يشكل حكومة مستقلة وفعلية، لكن دون صلاحيات، فيها وزراء يقابلون وزراء في الطرف الحاكم، ولعل وزير الخارجية البريطاني الحالي، وقد كان وزير خارجية حكومة الظل فيما سبق واسمه (ديفيد لامي)، لم يتوقف عن زيارة الإمارات والسعودية، واللقاءات المهمة مع وزيري خارجية البلدين، في دلالة على التعاطي الدبلوماسي مع بريطانيا عربيا، ومن مختلف الجوانب المهمة.
وبكل الأحوال تمثل بريطانيا حالةً فريدةً من نوعها مع حصول الملك تشارلز على الأقل، على رئيس وزراء جديد كـ كير ستارمر، فالرجل قريب من قصر بكنغهام، ولديه صداقة وثيقة مع ساكن القصر، ومتفقٌ معه في العديد من قضايا المناخ والبيئة، وغير ذلك من ملفات سياسية وربما اقتصادية.
فالملكية في إنجلترا على عكس ما يتصور البعض، ليست منزوعة الصلاحيات كلياً، و للملك رأيٌ في كثير من المسائل، ومواقف حادة تؤخد بعين الاعتبار لمن يريد الإقامة في ١٠ داونينغ ستريت (مقر إقامة رئيس الوزراء في لندن).
وقد يكون لفوز حزب العمال في بريطانيا صدىً واسع في أوروبا ككل، وربما يجعل هذا الفوز أحزاب اليسار الأوروبي تتنفس الصعداء، باحثةً في الوقت نفسه عن طريق جديد، يضمن لها التصويت بكثافة في أي استحقاق انتخابي جديد، في أي دولة أوروبية تنتظر تبديل الوجوه والتيارات السياسية الحاكمة.
أما العلاقات العربية مع بريطانيا، فلا شك أن البوصلة فيها ستتجه نحو بعض دول الخليج العربي ومصر والأردن، كون هذه الدول تمثل الثقل الاستراتيجي في التعامل مع أي ملف.
وربما تكون لدى الحكومة البريطانية الجديدة، مقاربةٌ أكثر إيجابية مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل حرب غزة المستمرة منذ أشهر، كما أن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الجديد، تلمح إلى سياسة متجددة جذرياً، قد ترتقي إلى حدّ القطيعة مع سياسات حزب المحافظين الذي غادر السلطة، بعد خسارة مدوية.
والأهم في سردية الانتخابات البريطانية الآن، هو شكل العلاقة مع الجانب الأمريكي في الضفة الغربية من الأطلسي، فإدارة بايدن تكاد أن تدخل مرحلة (البطة العرجاء)، قبيل انتخابات الرئاسة المزمع عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أمل فوز مرشح الحزب الجمهوري الأوفر حظاً وهو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي سبق وأن أحدثت مناظرته مع بايدن شرخاً انتخابياً لا يمكن تجاهله أبدًا.