وسط أزمة اقتصادية وسياسية تضرب تونس
مؤشرات نحو استمرار الغضب الاحتجاجات المطلبية
وسط حالة من التوتر الشديد، عكسه تعدد عناصر الأزمة السياسية التونسية بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة، هشام المشيشي، وكذلك أيضا بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، واتساعها حتى اقتربت كثيراً من مربع اللاعودة، تشهد تونس تأزما للأوضاع الاقتصادية وانحدارا واضحا في كل المؤشرات التنموية، وتوقعات باستمرار حالة الغضب الشعبي والاحتجاجات المطلبية.
فبعد مرور 10 سنوات على أحداث يناير 2011 ارتفعت حدّة الاحتجاجات الشعبية، ولأيام متتالية خرج المتظاهرون إلى الشوارع في عدد من مدن الجمهورية مطالبين بالتشغيل ونادوا بشعارات الحرية والكرامة وإسقاط النظام، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية.
“أما اقتصاديا فالوضع في تونس اليوم سيئ للغاية وكل المؤشرات المتعلقة بنسق النمو وعجز ميزانية الدولة والميزان التجاري كارثية”، وفق تقدير الخبير في الشأن الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي.
وذكّر الديماسي في تصريحات مع وسائل الإعلام بالسنوات الأولى بعد الثورة “عندما كنا نسجل نسبة نمو بـ1 بالمئة و2 بالمئة كنا ندق ناقوس الخطر وننبه للتداعيات واليوم نحن نسجل أرقام محبطة تصل إلى -8 بالمئة و-10 بالمئة، لقد ساءت الأمور بشكل عميق”.
وأوضح الخبير ما وصلت إليه البلاد من “هبوط مطلق في الإنتاج والميزان الاقتصادي” بتأثيرات انتشار الوباء على النشاط الاقتصادي وأضاف أن “ما تعيشه البلاد من هزات اجتماعية من حين لآخر جهويا وفئويا وقطاعيا زاد الوضع سوءا”.
وأوضح الخبير أن المشهد السياسي “غير المستقر وغير ذي مصداقية وشفافية والتوّتر الدائم بين مختلف السلطات خاصة التشريعية والتنفيذية يبقى من أهم الأسباب مما صدّر صورة سلبية للمستثمرين والدائنين في الخارج كما فقد التونسيون في الداخل كل أمل وثقة في تحسن الوضع في الآجال القريبة والمتوسطة”.
وأكد الديماسي “إننا نعيش وضعا اقتصاديا لم تعرف له البلاد مثيلا حتى في أحلك الأزمات التي شهدتها في سنوات الاحتلال الفرنسي وسنوات 1978 و1986” بأزماتها الاقتصادية والاجتماعية.
وقد حذّر صندوق النقد الدولي من أن العجز في ميزانية الدولة قد يرتفع إلى أكثر من 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقع البنك في بيان أصدره الأسبوع الماضي أن تسجل البلاد نسبة انكماش اقتصادي قياسي قدره 8.2 بالمئة في 2020.
من جهته، قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي إن “المنوال التنموي الذي أثبت فشله وكان أبرز أسباب اندلاع الثورة قبل 10 سنوات فشلت الحكومات المتعاقبة في تغييره وإيجاد منوال جديد يستجيب لتطلعات التونسيين، كما أن السياسيين والأحزاب أكدوا عدم قدرتهم على ممارسة السلطة”.
ويصدر المنتدى تقارير شهرية عن مختلف المظاهر الاجتماعية للأزمة الاقتصادية تبرز ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة وتزايد عدد المهاجرين غير النظاميين وامتداد الاحتجاجات، حيث تشير الأرقام إلى انقطاع أكثر من 100 ألف تلميذ سنويا عن الدراسة، كما أن 16 ألف تونسي هاجروا بشكل غير نظامي إلى إيطاليا خلال عام 2020.
ويقول الناشط في المجتمع المدني إن “قراءتنا لهذه المؤشرات كانت تنبئ بكل وضوح أن الوضع الاجتماعي بلغ أقصاه وأننا مقبلون على انفجار شعبي ولكن الطبقة السياسية استمرت في تهافتها على المواقع والمناصب”.
وتوقع أن الغضب الشعبي لن يهدئ وسيتواصل الحراك العفوي بل إن التراكمات الاقتصادية والصحية ستتصاعد بشكل أكبر وستكون عام 2022 أشد سوءا وفق تقديره.
أما المختص في الشأن الاقتصادي معز الجودي فيرى أن الوضع الاقتصادي في تونس “أصبح كارثيا تماما دون أي مبالغة أو تهويل”.
وأضاف “كنا حذرنا مرارا وتكرارا طيلة السنوات الماضية من انهيار الاقتصاد التونسي ومن خطورة غياب سياسات دقيقة ورؤية واضحة وعدم الانطلاق في الإصلاحات الضرورية”.
ورجح معز الجودي أن الوضع سيزداد سوءا لغياب برنامج إنقاذ للاقتصاد التونسي، الذي هو في حاجة ملحة الآن إلى برنامج إنقاذ عاجل، وفق تقديره.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن المديونية العمومية الخارجية تجاوزت 100 بالمئة من الناتج المحلي الخام وكذلك المديونية الداخلية من البنوك التونسية بلغت مستويات قصوى.
وتابع: “تحتاج تونس خلال عام 2021 إلى 18 مليار دينار لسد العجز في الميزانية بما فيها 16 مليار دينار مديونية خارجية كما أننا أمام نفقات كبيرة لتسديد ديون سابقة تتمثل في 16 مليار دينار خدمات دين و20 مليار دينار كتلة أجور مقابل ضعف النمو الذي سجلناه في السنة الفارطة وكان سلبي 8.2- بالمئة وهو رقم لم نسجله منذ الاستقلال”.
وأكد الخبير الاقتصادي أن “اقتصاد تونس لم يعد يصنع الثروة والموارد الكافية لمجابهة الحاجيات والتكاليف. نتوقع أن العجز سيتفاقم أكثر فأكثر في ميزانية الدولة خلال السنة الجارية والذي بلغ 14 في المئة خلال السنة الماضية وهو ما ينبئ بخطر كبير في غياب الإصلاحات والاستقرار السياسي”.
ومع كل هذه المؤشرات المفزعة ونواقيس الخطر التي يدقها خبراء الاقتصاد في البلاد، يبدو أن صندوق النقد الدولي يرفض مواصلة تمويل تونس إلا بشروط مجحفة وتمس من السيادة الوطنية وفق منظمات المجتمع المدني.
وقد ارتكز صندوق النقد الدولي في مقاربته بأنه بادر بالاستجابة إلى المطالب التونسية منذ 2013 بينما الحكومات المتتالية لم تحترم تعهداتها من ناحية الإصلاحات المتفق حولها.