يوم العمال يشعل فتيل الاحتجاجات في فرنسا
تعبئة استثنائية وحشد كبير للمواطنين في مختلف أنحاء التراب الفرنسي
شهدت فرنسا، اليوم الإثنين، مظاهرات احتجاجية لمناسبة يوم العمال الذي تعول النقابات العمالية على أن يشكّل نجاحا كبيرا من خلال تعبئة استثنائية وحشد كبير للمواطنين بمختلف أنحاء التراب الفرنسي، فيما حشدت الشرطة الفرنسية ما يزيد عن 12 ألف رجل أمن، وأعلنت أنها ستستخدم الدرونات للمزيد من المراقبة، خاصة للحد من أعمال الفوضى المتوقعة.
تأتي التظاهرات بعد أيام قليلة من المصادقة على مشروع تعديل نظام التقاعد، الذي ترفضه النقابات العملية وقطاعات واسعة من المجتمع الفرنسي.
وحسب وكالة فرانس24 فإن وسط باريس رفع المحتجون شعارات تؤكد رفضهم لرفع سن التقاعد وتدعو الحكومة للعدول عن القرار الذي أقره الرئيس إيمانويل ماكرون على الرغم من المعارضة الشعبية الواسعة له. إلى جانب ذلك، شهدت عدد من وسائل النقل إضافة إلى قطاعي الطيران والسكك الحديدية إضرابات تربك أو تشل حركتها.
انطلقت الإثنين في عدد من المدن الفرنسية مسيرات احتجاجية إحياء للذكرى السنوية ليوم العمال. وحسب النقابات العمالية فإنه من المنتظر أن يشارك ما يصل إلى 1,5 مليون شخص في المظاهرات الرامية لمواصلة الاحتجاج ضد تعديل نظام التقاعد الذي أقره الرئيس إيمانويل ماكرون.
300 نقطة احتجاج
وفي حديثه لوسائل إعلام فرنسية، صرح الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل (“سي إف دي تي”) لوران بيرجيه قائلا “أعتقد أننا سنشهد غدا مئات الآلاف من المتظاهرين، وربما مليون أو مليون ونصف مليون شخص”.
كما أشار إلى أن النقابات أعدت “300 نقطة احتجاج” في مختلف أنحاء البلاد لإحياء عيد الأول من أيار/مايو.
ومن جهتها، تتوقع السلطات نزول ما بين 500 و650 ألف متظاهر، من ضمنهم ما بين 80 إلى 100 ألف سيجوبون شوارع باريس.
هذا، ويتوقع أن تؤثر التحركات بشكل كبير في تعطيل حركة الملاحة الجوية، إذ تم إلغاء ما يتراوح بين 25 و33 بالمئة من الرحلات في أكبر مطارات البلاد، بينما يرجح أن يتواصل اضطراب الحركة في مطار باريس-أورلي إلى غاية الثلاثاء.
ومن جانبه، رأى الأمين العام لنقابة “القوى العاملة” (“إف أو”) فريديريك سويو أن “يوم العمال هذا (العام) سيقام في ظل وحدة نقابية، ولا شيء غير ذلك، وهذا أمر تاريخي”، وذلك وفق ما ورد في صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”.
ومن جهتها، توقعت الأمينة العامة للاتحاد العمالي العام صوفي بينيه بأن تكون تحركات الاثنين “عائلية، احتفالية”.
ويذكر أن المرة الأخيرة التي خاضت فيها النقابات الثماني الرئيسية في فرنسا تحركات مشتركة، يعود إلى العام 2009 في مواجهة الأزمة المالية العالمية. وقدّر الاتحاد العمالي العام (“سي جي تي”) عدد المشاركين حينها بمليون و200 ألف شخص، بينما اقتصرت تقديرات الشرطة على 456 ألفا.
أما في العام 2002، نزلت النقابات إلى الشارع في مواجهة جان-ماري لوبان زعيم اليمين المتطرف الذي بلغ الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية آنذاك. وتراوحت تقديرات عدد المشاركين في تلك التحركات ما بين 900 ألف، ومليون و300 ألف شخص.
🔴 Très violents affrontements en cours à #Paris : charges et projectiles. pic.twitter.com/yzt4fyBK0c
— Clément Lanot (@ClementLanot) May 1, 2023
المظاهرة المركزية
وانطلقت المظاهرة المركزية في باريس عند الساعة 14:00 بالتوقيت المحلي من ساحة “لا ريبوبليك” باتجاه ساحة “لا ناسيون”، بمشاركة معلنة لنقابيين من مختلف أنحاء العالم.
وتتوقع السلطات كذلك مشاركة ما بين 1500 إلى ثلاثة آلاف من “السترات الصفراء”، بالإضافة إلى ما بين ألف وألفين من الأشخاص الذين يشكلون “خطرا”، وفق مصادر أمنية.
وإلى ذلك، أكدت السلطات أن 12 ألف عنصر من الشرطة والدرك سينتشرون لضمان الأمن، بينهم خمسة آلاف في باريس وحدها.
غضب الشارع
ويعد يوم العمال هذا العام، اليوم الثالث عشر من التحركات الوطنية الشاملة ضد إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل والذي لقي معارضة واسعة من شرائح مختلفة في المجتمع الفرنسي.
وقد سبق أن قوبل مشروع ماكرون الذي ينص خصوصا على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، باحتجاجات زادها غضبا قرار الرئيس منتصف نيسان/أبريل الماضي تمرير التعديل بموجب آلية دستورية بدون طرحه على التصويت في الجمعية الوطنية لعدم توافر أغلبية مؤيدة له.
هذا، ولا يزال الغضب حاضرا في الشارع مثلما تظهره استطلاعات الرأي التي أبانت عن تراجع كبير في شعبية ماكرون.
من جهتها، تبدو مصادر الحكومة الفرنسية راغبة في الاقتناع بأن ذروة التحركات المناهضة لهذا الإصلاح باتت وراءها، وبأن مظاهرات الأول من أيار/مايو قد تشكل إشارة لبدء طيّ هذه الصفحة.
وفي خطاب بعد إقرار إصلاح نظام التقاعد، كان الرئيس الفرنسي الذي أعيد انتخابه العام الماضي لولاية جديدة، قد تحدث عن مهلة “مئة يوم” للقيام بمشاريع جديدة والتهدئة بعد سلسلة تحركات احتجاجية في الأعوام الماضية، في محاولة لطي صفحة إصلاح نظام التقاعد الذي يثير معارضة شديدة، أضعفت السلطة التنفيذية.
ومن جهتها، قدمت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن الأربعاء خريطة طريق لخطة التهدئة والتحركات من “مئة يوم”، تتضمن مجموعة واسعة من الإجراءات “الملموسة”، لا تتضمن مشروع قانون للهجرة، تهدف إلى إعادة إطلاق ولاية الرئيس الثانية.
هذا، وأكد مكتب رئيسة الوزراء أنها تعتزم دعوة النقابات “الأسبوع المقبل”، في خطوة يبدو أنها قد تثير انقسامات.
وبينما أعلن الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل (“سي إف دي تي”) لوران بيرجيه أن نقابته “ستذهب للنقاش” مع بورن في حال تمت دعوتها، شددت، من جهتها، الأمينة العامة للاتحاد العمالي العام صوفي بينيه على أن النقابات ستتخذ القرار “سويا” بهذا الشأن صباح الثلاثاء.
ومن جانبه سعى الأمين العام لنقابة “القوى العاملة” (“إف أو”) فريديريك سويو إلى التقليل من شأن هذه التباينات، وأكد أن الوحدة النقابية “لم تضعف”.