مخاوف جدية من حكومة المحاصصة التي تتجه حركة النهضة إلى تشكيلها في تونس
تجاوزت مفاوضات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة التي يشرف عليها رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي أسبوعها الأول دون أن تكشف ملامح التحالفات والائتلافات الحزبية التي ستكون حزاما سياسيا لها، في وقت أظهر فيه اتحادا العمال وأرباب العمل مخاوف جدية من حكومة المحاصصة التي تتجه حركة النهضة إلى تشكيلها، مطالبين بتحييد الوزارات الهامة وتسليمها إلى خبراء وتكنوقراط وليس إلى سياسيين.
ويضفي طول المشاورات وعدم وضوح برامج رئيس الحكومة المكلف بالشكوك حول قدرته على تشكيل حكومة قادرة على مواجهة تعقيدات الأزمة الاقتصادية.
وذهب الحبيب الجملي، الذي كلفته حركة النهضة الإسلامية بتشكيل الحكومة، لاستكشاف عالم السياسة عبر إصراره على توسيع دائرة المشاورات التي لم تقتصر على الكتل الفائزة في الانتخابات التشريعية بل شملت أيضا المنظمات الوطنية والعديد من الشخصيات السياسية والإعلامية بما في ذلك شخصيات ثانوية.
وحذرت أوساط سياسية من أن إطالة أمد المشاورات قد يكون الهدف منها خلط الأوراق وتيئيس الناس من إمكانية تكوين حكومة قوية قادرة على حل المشاكل بالسرعة والحزم اللازمين، لافتة إلى أن النهضة تحاول إثارة غضب الناس على الكتل والأحزاب تحت عنوان أنها عجزت عن التوصل إلى حزام داعم للحكومة بسبب توسع دائرة المعارضة وليس بسبب أسلوب المحاصصة الذي تعتمده الحركة.
ويراهن الجملي وهو يخوض ماراثون المشاورات على كسب ودّ واقتراحات أكبر منظمتين اجتماعيتين بالبلاد وهما اتحاد العمال واتحاد أرباب العمل وذلك بلقائه كلا من نورالدين الطبوبي أمين عام اتحاد العمال وكذلك سمير ماجول رئيس اتحاد أرباب العمل.
وتختلف مهمة الجملي عمّن سبقوه من رؤساء الحكومات في الخمس سنوات الماضية على اعتبار أن اتحادي العمال وأرباب العمل كانا من بين الداعمين للحكومات السابقة وخاصة حكومة يوسف الشاهد.
المكلف اقتراحات هامة لتجنب أخطاء الحكومات السابقة.
ودعا إلى الكف عن التجاذبات والمناكفات، حاثا على أن “يعود قادة الأحزاب إلى رشدهم أمام الوضع الاقتصادي والاجتماعي الدقيق الذي تعيشه البلاد”.
على الطرف الآخر، تزداد مخاوف اتحاد أرباب العمل (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) من أن تحيد الحكومة المقبلة عن الأولويات الضرورية لتونس والمتعلقة تحديدا بوجوب القيام بإصلاحات هامة لإنعاش الاقتصاد ودفع عجلة الاستثمار الداخلي والخارجي.
وعبر عن هذه الرؤى، رئيس الاتحاد سمير ماجول إثر لقائه بالحبيب الجملي بقوله إنّ “اللقاء مع رئيس الحكومة المكلف كان إيجابيا وتم فيه الحديث عن الحلول الضرورية لإنقاذ الاقتصاد الوطني”.
وأكد ماجول أنه دعا الجملي إلى تحييد كل الوزارات دون استثناء، داعيا الأحزاب إلى الابتعاد عن الاقتصاد. ويأتي هذا الموقف ضمن مطالبة واسعة على مواقع التواصل بتحييد وزارات السيادة (العدل والدفاع والداخلية والخارجية) والوزارات الاقتصادية والخدمية ومنحها إلى كفاءات وخبراء في المجال بدلا من منحها لسياسيين ومحاصرتها بالتجاذبات بدل التركيز على تطويرها وتحسين خدماتها.
وفي السياق نفسه المتعلق بتحييد الحقائب الاقتصادية، طالب اتحاد العمال، السبت، عبر الأمين العام المساعد بوعلي المباركي، بإعادة وزارة الطاقة والمناجم كوزارة قائمة الذات، مشددا على وجوب أن تشرف عليها شخصية خبيرة في المجال.
ومن الواضح أن دعوة اتحاد العمال إلى تحييد وزارة الطاقة والمناجم تهدف إلى منع تسليم الوزارة إلى أحد الشعبويين الذين أثاروا كثيرا من الجدل بالحديث عن حقول النفط والعقود الموقعة مع شركات التنقيب الدولية. وقد تقود إثارة هذه القضايا إلى خلق عقبات جديدة أمام الحكومة القادمة في علاقتها بالداعمين الاقتصاديين لتونس وتمس من مصداقيتها.
ويعتقد مراقبون أنه من الضروري أن يقرأ الجملي حسابا للاءات المنظمات الوطنية وألا يركّز مشاوراته فقط على ترضية الأحزاب على قاعدة المحاصصة التي أثبتت فشلها مع الحكومات السابقة.
وسيكون الجملي، إن نجح في تشكيل حكومته وإن تمت المصادقة عليها في البرلمان، في مواجهة مع اتحاديْ العمال وأرباب العمل في العديد من الملفات الهامة وعلى رأسها الإصلاحات الاقتصادية وطرق التعامل مع صندوق النقد الدولي والشركاء الاقتصاديين لتونس، خاصة في ما يتعلّق ببعض الاتفاقيات الموقعة مع بعض دول الاتحاد الأوروبي (الأليكا) والتي تدعو عدة أحزاب ومنظمات إلى إعادة مراجعتها.
كما ستصطدم الحكومة المقبلة بملف المؤسسات العمومية، حيث يطالب اتحاد الأعراف بتسريع عملية الخصخصة، فيما يتمسّك اتحاد العمال بوجوب إصلاح تلك المؤسسات دون خصخصتها، إضافة إلى ملفات اجتماعية أخرى معقدة وخاصة منها المتعلق بالمفاوضات السنوية للزيادة في الرواتب بالقطاعين العام والخاص.