فرنسا ودول مجموعة الساحل تتفق على تعزيز التعاون العسكري لمكافحة الإرهاب
اتّفقت فرنسا ودول الساحل الخمس على تعزيز التعاون العسكري لمكافحة التمرد الإرهابي الذي يهدد المنطقة، وفق ما أعلن قادة الدول عقب قمة عقدت في بو في جنوب غرب فرنسا.
وأعربت دول الساحل عن أملها في أن تواصل الولايات المتحدة “دعمها البالغ الأهمية” لمكافحة المتطرفين والارهابيين، وذلك بعدما أكد جنرال أمريكي بارز أن البنتاغون يدرس إمكان تخفيض عديد قواته في افريقيا.
وكان شارك في القمة رؤساء دول مجموعة الساحل الخمس التشادي إدريس ديبي انتو والنيجري محمد ايسوفو والبوركيني روك مارك كابوريه والمالي ابراهيم بو بكر كيتا والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
وقد أتي هذا الاجتماع بعد الإعلان عن تكبّد جيش النيجر أفدح خسائره حتى الآن أثر هجوم جهادي استهدف الخميس معسكر شينيغودار بالقرب من مالي، وأسفر عن مقتل 89 جنديا بحسب حصيلة جديدة أعلنت الأحد.
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإثنين عن “أمله بإقناع” نظيره الأمريكي دونالد ترامب بإبقاء قواته في افريقيا لمكافحة الارهابيين، في وقت تدرس فيه الولايات المتحدة إمكان تقليص عديد جنودها المنتشرين في القارة.
وقال ماكرون عقب استضافته قادة دول الساحل “آمل في إقناع الرئيس الأمريكي بأنّ مكافحة الإرهاب تجري أيضاً في هذه المنطقة وبأنّه لا يمكن فصل الملف الليبي عن الأوضاع في الساحل وفي منطقة بحيرة تشاد”.
وبعد القمة، أفاد بيان أنّ “دول المنطقة تعرب عن امتنانها للدعم المهم الذي قدّمته الولايات المتحدة وتؤكّد رغبتها في استمراره”.
وينشر الجيش الأمريكي في إفريقيا نحو 7000 من جنود القوات الخاصة الذين يقومون بعمليات مشتركة مع الجيوش الوطنية ضد الجهاديين ولا سيّما في الصومال. ويقدم الجيش الأمريكي كذلك معلومات استخباراتية عن تحركات الجهاديين فضلاً عن تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو.
إلى ذلك، ندد ماكرون بشدة بالخطب “التافهة” التي تشجع على انتقاد الفرنسيين في منطقة الساحل وتؤدّي خدمة “للقوى الأجنبية” التي لديها “أجندة المرتزقة”. وقال إنّ “الخطب التي سمعتها في الأسابيع الأخيرة تافهة (…) لأنّها تخدم مصالح أخرى، إما مصالح الجماعات الإرهابية (…) أو مصالح القوى الأجنبية الأخرى التي تريد ببساطة رؤية الأوروبيين بعيداً لأنّ لديهم أجندتهم الخاصة، أجندة المرتزقة”. وأكد ان “الجيش الفرنسي” موجود في الساحل من “أجل الأمن والاستقرار، وليس لمصالح أخرى”.
وردّاً على سؤال لصحافي من مالي عن شكوك تساور جزءاً من سكان هذا البلد حول نوايا فرنسا، أجاب ماكرون “أسمع الكثير من الناس يقولون كل شيء وأي شيء. اسألوا أنفسكم عن طريق من يتم الدفع لهم، واسألوا انفسكم ما هي المصالح التي يعملون لأجلها. أنا لدي فكرة”. وتابع “دع هؤلاء يقولون من الذي يُقتل من أجل أطفالهم” بينما قتل 41 جنديًا فرنسيًا في الساحل منذ عام 2013. وأضاف الرئيس الفرنسي “أعرف من سقط من أجل أمن الماليين والنيجريين والبوركينابيين: إنّهم الجنود الفرنسيون”.
وكان أحد كبار الضباط الفرنسيين صرّح مؤخّراً أن الروس يشجعون المشاعر المعادية للفرنسيين “في الشريط الساحلي الصحراوي”.
وعلى الرّغم من أنّ ماكرون لم يحدّد “القوى الأجنبية” التي يشير إليها، فإن مصطلح “المرتزقة” يشير بالخصوص إلى أنشطة مجموعة فاغنر الروسية الأمنية الخاصة.
وفي خريف عام 2019، بعد بضعة أشهر من إبرام اتفاق تعاون عسكري متواضع بين مالي وروسيا، بقي فريق صغير من فاغنر في باماكو، وهذه المجموعة التي تنفي موسكو أي علاقة بها، تقدّم خدمات الصيانة للمعدات العسكرية بين أنشطة أخرى.
وشوهد عناصر هذه المجموعة في أماكن أخرى في إفريقيا: في ليبيا حيث يُقال إنهم حلفاء للمشير خليفة حفتر، وفي شمال الموزمبيق حيث يقال إنهم يقاتلون إلى جانب الجيش تمرّداً إرهابياً، بينما أفادت وسائل إعلام غربية بوجودهم أيضاً في مدغشقر والسودان.
في مواجهة تزايد هجمات الارهابيين، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رؤساء دول مجموعة الساحل الإفريقي الخمس إلى اجتماع الإثنين بهدف تعزيز شرعية وجود القوات الفرنسية فيها وحضّ الحلفاء الأوروبيين على التحرك
وسيتوجه الرئيس الفرنسي أولا إلى قاعدة الفوج الخامس للمروحيات القتالية في بو الذي ينتمي إليه سبعة من 13 جنديا فرنسيا قتلوا خلال عمليات في مالي في كانون الأول/ديسمبر. ومع نظرائه الأفارقة، سيضع إكليلا من الورود تكريما لهم.
ودعي الرؤساء الخمسة بشكل مفاجئ إلى بو مطلع كانون الأول/ديسمبر من قبل الرئيس الفرنسي الذي شعر بالاستياء من الانتقادات العلنية للرأي العام في هذه الدول لوجود نحو 4500 عسكري من قوة برخان الفرنسية في المنطقة، وتصريحات لبعض وزرائهم اعتبرت مبهمة.
وعند إطلاقه هذه الدعوة المفاجئة التي اعتبرها رؤساء الدول الخمس “استدعاء”، حذر ماكرون من أنه سيضع كافة الخيارات الممكنة على الطاولة، من ضمنها خيار انسحاب قوة برخان أو خفض عدد المشاركين فيها. لكن الرئيس الفرنسي أرجأ هذه القمة بعد الهجوم الدموي على معسكر إيناتس في النيجر، الذي قتل فيه 71 شخصاً، وكان الأكثر دموية منذ 2015.
ويتزايد شعور بالعداء لفرنسا خصوصا في مالي التي شهدت الجمعة تظاهرة لنحو ألف شخص في العاصمة باماكو للمطالبة برحيل القوات الفرنسية والأجنبية.
وهدفت باريس من قمة بو الاثنين للحصول على إعلان مشترك من قبل الرؤساء الخمسة، يؤكد أن فرنسا تعمل في دولهم بطلب منهم بهدف “إضفاء الشرعية مجددا” على وجودها في المنطقة، وفق ما يوضح الإليزيه المستاء من “الخطاب المناهض لفرنسا”.
وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي السبت “يجب أولا الحصول على موقف واضح من المسؤولين السياسيين، إن كانوا يرغبون بذلك أو لا”.
قال الرئيس المالي ابراهيم أبو بكر كيتا مطلع كانون الثاني/يناير إن “هذا اللقاء سيكون حاسماً، لأنه سيسمح في أن توضع على الطاولة كل القضايا والمطالب والحلول”.
وعلاوةً على شقها السياسي، يمكن أن تكون قمة بو فرصة لإعادة صياغة الاستراتيجية العسكرية ضد الجهاديين في تلك المنطقة الشاسعة التي تعادل مساحة أوروبا، ودعوة الحلفاء الدوليين والأوروبيين خصوصاً إلى زيادة مشاركتهم.
وينوي رئيس النيجر محمد يوسفو أن يطلق في القمة “دعوة إلى التضامن الدولي” حتى لا يكون الساحل وفرنسا وحيدين في هذه “المعركة” ضد “آفة” الارهابيين.
من جهة أخرى، تعمل فرنسا على إنشاء عملية جديدة تحت اسم “تاكوبا”، تضم قوات خاصة من نحو عشر دول أوروبية.
وتأمل باريس أن تقنع قمة بو الأوروبيين المترددين في الانضمام إليها. فهؤلاء مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض فرنسا لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل.
ويعدّ تردد الأمريكيين الذين لا يمكن الاستغناء عن دعمهم العسكري في المنطقة، مصدر قلق آخر لباريس، وفق ما يوضح الإليزيه.
ومنذ هجوم إيناتيس، لم يتوقف سفك الدماء في المنطقة التي باتت منذ 2012 ساحة لنشاط العديد من المجموعات الجهادية التي ترتبط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وعشية عيد الميلاد، قتل سبعة عسكريين و35 مدنيا في هجوم في أربيندا ببوركينا فاسو، تلاه الهجوم في شينيغودار على الحدود بين مالي والنيجر، الذي قتل فيه 89 جنديا نيجريا.
وتبدو قوات القوة المشتركة لدول الساحل الخمس التي شكّلت عام 2017 عاجزة أمام تصاعد قوة هذه الهجمات.
وضاعفت فرنسا هجماتها المضادة لكن النتائج العسكرية ليست كافية، بحسب الإليزيه.
وبحسب الأمم المتحدة، قتل أكثر من أربعة آلاف شخص في هجمات إرهابية في 2019 في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وزاد عدد النازحين عشرة أضعاف، ليبلغ نحو مليون.