لا خوف اليوم على تونس
علي قاسم
شعوب الدول العربية من أكثر شعوب العالم التي اخترعت لنفسها زعماء عاشت في ظلهم، وهي بعد أن ثارت عليهم، عادت واجتهدت بحثا عن بديل لهم. فالحاكم عندهم، سواء كان رئيسا للجمهورية أو رئيسا للوزراء، يجب أن تكون له صفات ومقدرات خاصة، تختلف عن صفات وقدرات البشر. الحاكم الذي يتصف بصفات البشر لا يستوجب الطاعة.
بعد تسع سنوات من الثورة، وسبع حكومات متعاقبة، لم يعثر التونسيون على زعيم يرضون بحكمه، جميع من حكموهم كانوا من البشر.
ليست المشكلة أن يعثر التونسيون على زعيم يحكم البلاد، وإنما المشكلة هي هل يحتاج التونسيون إلى زعيم يحكمهم؟
يتحدث الجميع في تونس عن غياب الدولة، ورغم ذلك تسير الحياة بشكل طبيعي، الماء يصل إلى البيوت، وكذلك الغاز والكهرباء. هناك نقص في الدواء أحيانا، رغم ذلك ما زالت تونس مقصدا لطالبي العلاج، حتى من الأوروبيين.
صباح كل يوم، الساعة التاسعة تماما، تسمع أطفال تونس يرددون النشيد الوطني، في دلالة واضحة على أن الأمور على ما يرام. وما زالت مدارس تونس تقدم للتلاميذ وجبات الإفطار المجانية، وإن كانت متواضعة.
حديث البعض عن ارتفاع معدلات الجريمة غير دقيق، معدلات الجريمة في تونس منخفضة، مقارنة بمعدلاتها العالمية، وهي لم ترتفع بعد الثورة، كل ما في الأمر أن وسائل الإعلام أصبحت حرة في تناول مثل تلك المواضيع.
الحديث عن انهيار اقتصادي غير دقيق، ودون الدخول في تفاصيل معقدة، نكتفي بالتذكير بدول كثيرة في العالم، أوشكت على الإفلاس لولا تدخل دول الاتحاد الأوروبي لإنقاذها. المشكلة الاقتصادية في تونس هي جزء من أزمة اقتصادية عالمية بدأت عام 2008، وما زالت قائمة، ما أصاب تونس منها بسيط مقارنة بدول أخرى.
نسبة العجز والدين الخارجي وسعر الفائدة، ليست الأسوأ في تونس، اقتصاديات كبيرة عانت في الماضي من أوضاع أكثر سوءا من ذلك. والدينار التونسي لم يتهاو كما تهاوت عملات دول أخرى شهدت أحداثا مماثلة لتلك التي شاهدتها تونس.
كل شيء يسير بشكل طبيعي، رغم تعثر تشكيل الحكومة، التونسيون يحيون المهرجانات الثقافية والفنية، ونسبة ما يُعقدُ في تونس من ندوات ومؤتمرات أعلى من جميع الدول العربية، وحتى من دول أوروبية. واستطاعت تونس، رغم ما يروجه المتشائمون، أن تستقبل 10 ملايين سائح تقريبا خلال عام 2019.
الشباب التونسيون يعانون اليوم من البطالة، التي ارتفعت خلال السنوات التسع الماضية لتصل إلى 15 في المئة، إلا أن مشكلة البطالة هي الأخرى ليست صناعة تونسية، إنها مشكلة عالمية، وكل ما تحتاجه تونس هو عشر سنوات من الاستقرار، لتشجيع الاستثمار والنمو وخلق فرص عمل.
الصورة ليست وردية تماما، هناك مشاكل في تونس، ولكن حتما لن تجد في تونس كوارث.
الشعوب القادرة لا تحتاج إلى زعيم مقتدر يحكمها. مصر القديمة حكمها عام 1334 قبل الميلاد صبي صغير عمره 9 سنوات، هو توت عنخ آمون، وهو أشهر الملوك الذين حكموا مصر لأسباب لا تعود لقدرته على الحكم. كانت مصر في ذلك الوقت دولة قانون يغني عن حكم زعيم مقتدر.
الولايات المتحدة، شهدت منذ الاستقلال حكم 45 رئيسا، تميز من بينهم اثنان فقط، الأول جورج واشنطن، وهو أول الرؤساء الأميركيين وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، قاد التمرد الذي انتهى بإعلان الانفصال عن بريطانيا، وترأس لجنة صياغة الدستور.
الثاني هو، أبراهام لينكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، استطاع إعادة الولايات التي انفصلت عن الاتحاد، منهيا حربا أهلية ومنهيا معها عهدا من العبودية.
إلى جانب واشنطن ولينكولن، حكم الولايات المتحدة رؤساء حمقى وممثلون، ورغم ذلك بقيت أقوى اقتصاد في العالم.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة، شهدت تونس حكم رئيس واحد تميز عن الآخرين، قاد إلى جانب رفاق له النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وأنهى الملكية معلنا الجمهورية بخلع الملك محمد الأمين باي، عام 1957، ليصبح أول رئيس للجمهورية. بالتأكيد نتحدث عن الحبيب بورقيبة، الذي أصدر عن طريق البرلمان مجلة الأحوال الشخصية، وقانون منع تعدد الزوجات. وكان خلال حياته مثيرا للجدل والخلاف.
رغم السنوات التسع العجاف، تسير الحياة في تونس، ومن يسيّرها ليس حكومة زعيم، بل يسيرها التونسيون الذين تربوا في دولة اعتاد الناس فيها النظام والقانون.. لذلك لا خوف اليوم على تونس.