تحولات في الموقف الأردني تجاه تركيا
هل أسقط العاهل الأردني ورقة تركيا من حساباته مع العرب؟
أثارت التصريحات التي أدلى بها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مؤخرا بشأن التدخل التركي في ليبيا وإرسال مرتزقة سوريين إلى هناك، فضلا عن ابتزاز أنقرة للاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين، سيلا من التساؤلات حول طبيعة العلاقات بين الطرفين وهل هناك استدارة جديدة للدبلوماسية الأردنية في علاقة بسياستها الخارجية.
وكانت العلاقات التركية الأردنية قد شهدت منذ أواخر العام 2018 قفزة نوعية ترجمت في الزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين وأبرزها الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني وعقيلته رانيا العبدالله في فبراير الماضي إلى تركيا والتي حظيا خلالها باستقبال لافت من رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وعقيلته، لتأتي تصريحات الملك عبدالله الثاني الأخيرة وتثير صدمة المتابعين.
وتقول أوساط سياسية أردنية إن حديث الملك عبدالله الثاني من على منبر البرلمان الأوروبي وقبلها حواره مع وكالات إعلام، يعكس حالة من القلق حيال توجهات تركيا في المنطقة العربية. وهذا الهاجس لطالما كان موجودا في السابق، بيد أنه لحسابات ظرفية، تم كتمانه والسير باتجاه تحسين العلاقات الثنائية، خاصة وأن علاقات الأردن مع شركائه الخليجيين التقليديين لم تكن على ما يرام.
وتلفت الأوساط إلى أن الأردن تعمّد استخدام الورقة التركية في محاولة للفت أنظار الحلفاء الخليجييين الذين تراجعت المملكة من سلم اهتماماتهم، وهو ما انعكس سلبا على الدعم المالي الذي كانت تحصل عليه في غمرة أزمة اقتصادية ما تزال مستمرة إلى اليوم، ليتبيّن لاحقا لعمّان أن خيار التلويح بالورقة التركية مكلف لجهة أن ذلك بات يهدد بعزلتها على غرار ما حصل مع قطر، وأن أنقرة المستفيد الوحيد من هذا التمشي من الناحيتين السياسية وحتى الاقتصادية.
وتشير الأوساط إلى أن ذلك دفع الأردن على ما يبدو لإعادة تصويب البوصلة خاصة وأن نقاط الاختلاف مع أنقرة أكثر بكثير من نقاط الالتقاء، إلى جانب المخاوف من سياسات أردوغان المراهنة على الجماعات الراديكالية والتي يخشى الأردن أن يكتوي بنيرانها في حال لم يتم التصدي لها عربيا وبشكل موحد.
وقال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبيل جولة أوروبية ما تزال مستمرة إن “إرسال تركيا قوات إلى ليبيا سيخلق المزيد من الارتباك”، مشيرا إلى أن ذهاب عدة آلاف من المقاتلين الأجانب من إدلب إلى ليبيا أمر خطير وعلى الجميع في المنطقة العربية والأوروبية مواجهته.
واعتبر الملك عبدالله أن المقاتلين الأجانب المغادرين من سوريا إلى ليبيا من أكبر التهديدات التي سيعيش على وقعها العالم في عام 2020، مشددًا على أن دول المنطقة لا تريد دولة فاشلة في ليبيا.
وأرسلت تركيا الآلاف من الإرهابيين والمرتزقة الذين يقاتلون في سوريا إلى ليبيا على أمل ترجيح كفة الصراع لصالح الجماعات الإسلامية التي تتجه لفقدان أبرز معاقلها وهي العاصمة طرابلس، أمام تقدم الجيش الليبي.
وذكرت تقارير أن أنقرة أرسلت حتى الآن أكثر من 2400 مقاتل وهي تتجه لأن يبلغ هذا العدد 6000 في خطوة من شأنها أن تحول هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا إلى سوريا جديدة، وهناك تحركات حثيثة من المجتمع الدولي للحيلولة دون هذا السيناريو، كان آخرها مؤتمر برلين الذي عقد الأحد، والذي لم يكن على قدر التوقعات.
ويقارب الأردن الملف الليبي من زاوية أقرب إلى الرؤية المصرية وسبق وأن قام قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر بزيارات إلى عمّان، وهذا أيضا يجعل من التعاطي الأردني مع الأزمة على النقيض من تركيا.
ويعتقد محللون أن ذلك قد يكون أحد الأسباب في عودة تسرب الفتور إلى العلاقات الأردنية التركية، وانتقاد الملك عبدالله الثاني لإرسال أنقرة عناصر إلى ليبيا وإن كان ممّا لا شك فيه ليس الوحيد.
ولم يكتف الملك عبدالله الثاني في حديثه المطول في الإعلام بتسليط الضوء على مخاطر استخدام أنقرة للجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها التوسعية، بل تطرق إلى مسألة الابتزاز الذي تمارسه أنقرة مع الاتحاد الأوروبي حينما سأله المذيع لماذا لم تحصل المملكة على الدعم الكافي لمعالجة أزمة اللاجئين على غرار تركيا، حيث أجابه الملك عبدالله الثاني “نحن لم نهدد بإرسال اللاجئين إلى أوروبا.. لأننا نعتقد أن هذه مسؤولية ويجب أن نعتني بهم”.
ويعتبر الأردن وتركيا، الدولتان المجاورتان، لسوريا أكبر المحتضنين للاجئين السوريين منذ بدء النزاع في ذلك البلد، ورغم ذلك تعاطى الطرفان مع المسألة بشكل مختلف، فلئن ارتضى الأردن بالدعم الذي يحصل عليه وإن كان يعتبره غير كاف، عمدت تركيا إلى استخدام اللاجئين كورقة لابتزاز أوروبا ليس فقط من الجانب المالي بل وحتى السياسي حينما توعدت بفتح الأبواب أمام النازحين، في حال لم تدعم القارة العجوز عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، والتي كان للأردن أيضا موقف منها.
وكان وزير الخارجية أيمن الصفدي قد هاجم العملية التركية التي استهدفت في أكتوبر الماضي جزءا من الأراضي السورية والمكوّن الكردي وقال “نطالب أنقرة بوقف هجومها على سوريا فورا ونرفض أي انتقاص من سيادة سوريا وندين كل عدوان يهدد وحدتها”.
وتقول الأوساط السياسية إن تصريح الصفدي حينها كان يعد مؤشرا على توجه لإعادة النظر في العلاقة مع تركيا وهذا الأمر تعزز بشكل واضح بعد تصريحات الملك عبدالله الثاني، وسط اعتقاد بأن مسار العلاقات التركية الأردنية بات أمام مفترق طرق، وليس مستبعدا أن ينتهي بصدام خاصة وأن الأردن يدرك بأن تركيا لا تقل تهديدا عن إيران، لجهة رهانها على الجماعات الراديكالية.
وسبق وأن سربت صحيفة الغارديان البريطانية في العام 2016 ما قالت إنه محضر اجتماع للملك عبدالله الثاني مع أعضاء في الكونغرس الأميركي حيث تحدث العاهل الأردني عن أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤمن بأن التطرف الإسلامي هو الحل لمشاكل المنطقة”. وكشف “المحضر” أن الملك عبدالله الثاني صرح للمسؤولين الأميركيين بأن “توجه الإرهابيين إلى أوروبا هو جزء من سياسة تركية”، لافتا إلى أن أنقرة تستغل أكبر أزمة لجوء تواجهها القارة الأوروبية لتنفيذ سياساتها.
وردا على سؤال لأحد المسؤولين الأميركيين “هل تشتري تركيا النفط من تنظيم الدولة الإسلامية؟”، أجاب الملك عبدالله الثاني حينها “أجل بالطبع”.
وجدير بالتذكير أن الملك عبدالله الثاني كان السبّاق في تسليط الضوء على التهديد الإيراني حينما حذر في العام 2004 من مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى طهران لإقامته، عبر ميليشيات ومجموعات راديكالية.