ما هدف أردوغان من تفجير أزمة مهاجرين؟
ديميتار بيشيف
هذا أمر حدث من قبل. فمثلما عشنا في أزمة 2015-2016، يتكدس نحو عشرة آلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي على حدود تركيا مع اليونان.
كان هدفهم في تلك الفترة العبور إلى أراضي دول تابعة للاتحاد الأوروبي على أمل الانتقال منها إلى ألمانيا أو السويد أو غيرها من دول غرب أوروبا.
الآن نتابع مشاهد مؤسفة لشرطة الحدود اليونانية وهي تستخدم قنابل الغاز المسيل للدموع وقوة مفرطة لإجبار هؤلاء القادمين على العودة.
نشرت اليونان عناصر القوات الخاصة لحماية الحدود من مدنيين عزل غاضبين. فالقادة الأوروبيون يفضلون بقاء هؤلاء من سوريين وأفغان وعراقيين في تركيا. فلديهم تيار يميني يحقق مكاسب قبل حتى أن تندلع هذه الأزمة.
في ألمانيا، تابعنا كيف استقالت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كاردبور من الحزب المسيحي الديمقراطي، لتطيح بذلك بخطة وضعتها المستشارة أنغيلا ميركل لترتيب خلافتها.
في هذه الأيام، يخشى حكام مثل ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تتسبب موجة كبيرة جديدة من المهاجرين القاصدين دول الاتحاد الأوروبي في فوضى انتخابية.
هذا أمر يدركه جيدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويعتقد – وله أسبابه – أن بوسعه استغلال مخاوف النخبة الأوروبية لصالحه.
فمن خلال السماح للمهاجرين بالوصول بأعداد كبيرة إلى الحدود، فإنه يسعى لضرب العديد من الطيور بحجر واحد.
أول أهدافه صرف أنظار الأتراك عن القتال الدائر في إدلب السورية، وثانيها الحصول على دعم من الدول الأوروبية الكبرى التي تخشى ألا تنفجر موجة هجرة جديدة على خلفية التطورات في شمال سوريا.
أما ثالث أهداف أردوغان وهو أكثر ما يسعى إليه بعد فترة فيتمثل في تمديد العمل باتفاق 2016 الذي أبرمه مع الاتحاد الأوروبية لفترة أخرى، لكن مع تغيير بنوده ليحصل على أقصى قدر ممكن من المكاسب.
لا نعرف على وجه الدقة إن كان أردوغان سينجح – أو كيف سيتسنى له النجاح – في صرف الاهتمام بعيدا عما يجري في إدلب. فالشجار الذي تابعناه يوم الأربعاء في البرلمان بين نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم ونواب المعارضة يكشف عن حرب غير معلنة ضد نظام الأسد في سوريا. حرب ستظل أهم أسباب الاستقطاب في المجتمع التركي.
في المقابل، يحقق الرئيس التركي نتيجة أفضل في سعيه لتحقيق هدفه الثاني. فالمستشارة الألمانية ميركل تسانده، مثلما نقل عنها، في المطالبة بإنشاء منطقة آمنة في محافظة إدلب يشرف عليها الأتراك.
كما انتقدت ميركل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرفضه عقد لقاء قمة رباعي معها وأردوغان وماكرون، واختياره بدلا من ذلك الاجتماع بأردوغان وحده.
فلقد أكدت الوزيرة الألمانية المستقيلة كاردبور تأييد ألمانيا لفكرة إنشاء منطقة ألمانية بين تركيا وسوريا وهي الفكرة التي تناقشها المستشارة مع الرئيس الفرنسي.
ومع الزيارة غير المسبوقة التي قام بها إلى إدلب المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، بات أهم ما تسعى إليه الدول الأوروبية في سوريا هو كسب رضا أردوغان.
ولا شك أنه استغل دعم الغرب للخروج بأفضل ما يمكن الخروج به من قمته مع بوتين.
لكن الشيطان – مثلما نعلم جميعا – كامن في التفاصيل. فالدول الأوروبية ستفضل ولا ريب بقاء ثلاثة ملايين نازح سوريا حيث هم في إدلب، وهي رغبة يشاركهم فيها أردوغان.
لكننا رغم ذلك نبقى أمام أسئلة أساسية بلا أجوبة. فهل ألمانيا وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبية مستعدة لدفع الثمن؟ هل بوسع ماكرون وميركل انتزاع التزام من بوتين فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة المقترحة؟ وهل سيفي الرئيس الروسي بالتزام كهذا في ظل الاندفاع الهائل من الرئيس السوري بشار الأسد لاستعادة السيطرة على كل شبر من الأراضي السورية؟
وكيف سيكون دور تركيا في إدارة المساعدات الإنسانية وربما مساعدات إعادة الإعمار المحتملة في المنطقة؟
حتى إن اتفق بوتين وأردوغان على وقف إطلاق النار وصمدت الهدنة، فقد تحتاج الأطراف لأشهر من المباحثات الدبلوماسية لتنفيذه.
في هذا السياق، ليست زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن، جوزيف بوريل، ومسؤولة إدارة الأزمات جانيز لينارتشيتش سوى البداية.
يتعلق ثالث أهداف تركيا من الأزمة الحالية بعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي. فاتفاق اللاجئين الموقع عام 2016 كان بمثابة حجز زاوية في العلاقة بين بروكسل وأنقرة، والأهم من هذا بكل أسف هو تطوير اتفاق الاتحاد الجمركي، ناهيك عن مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبية وهي مفاوضات متعثرة منذ فترة طويلة.
من بين ستة مليارات يورو تعهد بها الاتحاد الأوروبي لصالح اللاجئين السوريي، هناك 4.7 مليار يورو لا تزال المناقشات تجري بشأنها، و3.2 مليار يورو تم صرفها بالفعل، مثلما كتب الدبلوماسي الفرنسي مارك بييريني، وهو الرئيس السابق لوفد الاتحاد الأوروبي الذي زار تركيا، والذي يعمل الآن أستاذا زائرا بمعهد كارنيجي في أوروبا.
يزعم أردوغان أن تركيا لم تتسلم أيا من الأموال التي تعهدت بها أوروبا، وأن بلاده تنفق 40 مليار يورو من خزائنها، وهي مزاعم غير صحيحة.
لكنه وبقدر حبه للحديث عن نفاق أوروبا وتهديده لها بأن يعبر 3.6 مليون سوري موجودين في تركيا في الوقت الحالي الحدود إلى الاتحاد الأوروبي، فإن هدفه الحقيقي هو الأرجح هو محاولة تجديد اتفاق 2016.
مرة أخرى ستدور المعركة على تفاصيل محددة. فأردوغان يطالب بأن يسدد الاتحاد الأوروبي مقدما ما يتعهد به من أموال لتركيا.
كما لن يكون السداد على شرائح، ولن تكون هناك عقود مع وكالات حكومية تعمل تحت إمرة بروكسل.
بهذه الطريقة، سيكون لأنقرة السيطرة الكاملة على الكيفية التي سيتم بها سداد الأموال الأوروبية.
فمن خلال درايته بالطريقة التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي، وبصفة خاصة معرفته بمدى صرامة القواعد التي تحكم إنفاق الأموال فيه، قد تجد تركيا قيودا تمنعها من الحصول على ما تريد من أموال أوروبية.
تظل لأردوغان رغم كل شيء فرص ليحصل على بعض ما يريد من دعم من أوروبا، لكن ليس بالضرورة أن يتم هذا وفقا لشروطه.
نبقى أمام نقطة أخيرة مهمة وهي استعداد أردوغان لدفع أي ثمن مقابل أن تعلنه وسائل الإعلام الحليفة له في تركيا، وكذلك في الغرب، منتصرا في المواجهة الحالية.