مداولات دولية في أزمة سد النهضة
وكانت الرئاسة الفرنسية لمجلس الأمن الدولي قد حددت جلسة مفتوحة، الاثنين المقبل، لمناقشة موضوع سد النهضة استجابة للطلب المصري، الذي تقدمت به لرئاسة المجلس في التاسع عشر من الشهر الجاري.
وشهدت أروقة مجلس الأمن خلال الأيام الأخيرة مباحثات مكثفة وتحركات مصرية على أكثر من مستوى لشرح موقفها الخاص بسد النهضة مع الدول أعضاء مجلس الأمن، كما قامت بالتنسيق الوثيق مع فرنسا كونها دولة رئاسة المجلس خلال هذا الشهر.
وأسفرت التحركات المصرية عن رأي عام داخل المجلس مؤيد لوجاهة الطلب المصري وسلامة موقفها القانوني، مما أدى إلى تحديد جلسة للنقاش العلني المفتوح بمشاركة الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا إذا رغبت في المشاركة.
واعتبرت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة أن تلك خطوة مهمة، إذ تعكس اقتناع مجلس الأمن كونه أحد الأجهزة الرئيسية بالأمم المتحدة والجهاز الدولي الأساسي المعني بالموضوعات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدوليين وبنظر النزاعات والحالات، التي يترتب على استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين.
وأضافت أن اقتناع مجلس الأمن بوجهة النظر المصرية تؤكد أن استمرار عدم تحقيق تقدم في المفاوضات المرتبطة بسد النهضة مع قيام إثيوبيا بالإعلان بشكل منفرد وأحادي عن اعتزامها ملء السد في شهر يوليو 2020، هو وضع غير مقبول، ويؤدي إلى حالة يترتب على استمرارها تهديد للاستقرار العالمي.
وأثار تقديم إثيوبيا لورقة تتضمن رؤيتها بشأن أسلوب ملء وتشغيل سد النهضة، في الثاني عشر من يونيو، تحفظ كل من مصر والسودان، وتحذيرات مراقبين من أن يؤدي “النهج الإثيوبي” بشأن السد إلى تعقيد الوضع في المنطقة.
وطرحت إثيوبيا ورقة لرؤيتها بشأن أسلوب ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في اجتماع لوزراء الري في مصر والسودان وأثيوبيا، حيث أعربت القاهرة والخرطوم عن تحفظهما على الورقة الإثيوبية لكونها تمثل تراجعا كاملا عن المبادئ والقواعد، التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات، التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهدارا لكافة التفاهمات الفنية، التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة بشأن سد النهضة.
وأكدت مصر استمرار تمسكها بالاتفاق، الذي انتهى إليه مسار المفاوضات، التي أجريت في واشنطن لكونه اتفاقا منصفا ومتوازنا، ويمكّن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب.
كما أكدت مصر ضرورة أن تقوم إثيوبيا بمراجعة موقفها الذي يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، مشددة على أن تمتنع أديس أبابا عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، خاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015، لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها.
وفي اتصال هاتفي مع رئيس جنوب أفريقيا، سييل رامافوزا، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، ضرورة بلورة اتفاق شامل بين الأطراف المعنية بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وشدد الرئيس السيسي على محددات وثوابت الموقف المصري في هذا الإطار، من منطلق ما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، وذلك بضرورة بلورة اتفاق شامل بين كافة الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.
وقال الخبير القانوني في مجال القانون الدولي للمياه، الدكتور أحمد المفتي، إن بعض المؤيدين للموقف المصري يخشون من احتمال تعاطف مجلس الأمن مع إثيوبيا، إلا أن القضية أصبحت أكبر من ذلك بكثير باعتبارها تمثل تهديدا للأمن والسلم العالميين.
وأضاف المفتي: “بات ملف سد النهضة شأنا دوليا بعد استنفاد كافة الطرق السلمية لحل الأزمة عبر المفاوضات التي جرت بإشراف جهات دولية ذات وزن كالولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي”.
وتابع قائلا: “لجوء مصر لمجلس الأمن جاء تحت الفصل السابع لاستصدار قرار يمنع ملء السد قبل وصول الأطراف المعنية إلى اتفاق ملزم للجميع”.
من جانبه، اعتبر مدير تحرير صحيفة الأهرام أشرف أبو الهول أن اجتماع الاثنين القادم “تشاوري” ولن يكون مخصصا “للحسم النهائي”.
وأوضح أبو الهول أن مصر قد نجحت في كسب التأييد الدولي بفضل الوثائق التي لديها، والشهود على مواقفها في المفاوضات التي خاضتها، كالولايات المتحدة التي استضافت بداية العام الجاري جولة من المباحثات.
وبيّن أن الجلسة القادمة ستخصص لإتاحة الفرصة أمام الدول الثلاث المعنية بالقضية، وهي مصر والسودان وإثيوبيا، كي تقدم ما لديها ما وثائق، تدعم حججها التي تدافع عنها.
ويجمع الخبراء والمراقبون على أن مجلس الأمن سيحث في جلسته القادمة على الحل السلمي لقضية سد النهضة، والعودة لطاولة المفاوضات مجددا، وهو ما يضع الدول الثلاث أمام خيارات يمكنها التحرك ضمنها.
وبحسب الخبير القانوني في مجال القانون الدولي للمياه، الدكتور أحمد المفتي، فإن مسودة مشروع القرار الذي سيصدره مجلس الأمن الاثنين، قد يتضمن وفق تسريبات التأكيد على وجوب استخدام المجاري المائية الدولية وفق مبادئ القانون الدولي السارية، والدعوة للتعجيل في استئناف المفاوضات، للوصول لاتفاق بشأن تعبئة وتشغيل سد النهضة.
كذلك لفت مدير تحرير صحيفة الأهرام أشرف أبو الهول إلى أن لدى مجلس الأمن خيار تشكيل لجنة لبحث القضايا الخلافية لحسمها، أو إحالة الملف للتحكيم الدولي، وهي أمور مستبعد حصولها في جلسة الاثنين.
واسترسل أبو الهول قائلا: “إذا ما قرر المجلس توصيات لم تلتزم بها إثيوبيا، تستطيع مصر العودة للمجلس ومطالبته بإصدار قرارات إلزامية للأطراف. القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الاستفادة من الأنهار والعلاقات التي تحكم مثل هذه الأمور كلها في صالح مصر”.
وأشار أبو الهول إلى أنه في حال قررت إثيوبيا “تحدي الجميع” بملء السد دون موافقة القاهرة والخرطوم، وبدون الالتزام بأي قرارات قد تصدر في ذلك السياق، فلن يكون أمام مصر سوى الاعتماد على نفسها، والتصرف وفقا لمصالحها القومية التي تحددها القيادة، مشددا على أن مصر سعت عبر تسع سنوات من التفاوض للحل السلمي للملف.
ونصح المفتي أن يكون الرجوع للمفاوضات وفقا لتصور معين قائم على التكامل التنموي الإقليمي القائم على إطار قانوني، مع ضم كافة دول حوض النيل للمفاوضات، تفاديا لأي نزاعات أخرى قد تنشأ مستقبلا بين هذه البلدان.
أرسل السودان رسميا، الخميس، خطابا إلى مجلس الأمن، بشأن موقفه من آخر تطورات قضية سد النهضة، مشددا على “ضرورة إثناء جميع الأطراف عن أي إجراءات أحادية”.
ودعت وزارة الخارجية السودانية لـ”ضرورة إثناء جميع الأطراف عن أي إجراءات أحادية، بما في ذلك البدء في ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق”.
وأكد السودان على أن الزمن المتوفر للوصول لاتفاق بشأن السد، “ضيق وحرج”، لافتا إلى أنه “يدعو للعمل بجد للوصول للحظة تاريخية في حوض النيل، وتحويل سد النهضة إلى محفز للتعاون بدلا من سبب للصراع وعدم الاستقرار”.
وحثت الخرطوم جميع الأطراف على “اعتماد المسودة الشاملة التي قدمها السودان في المفاوضات الأخيرة، كأساس لإكمال وثيقة الاتفاق بشأن سد النهضة”.
ويثير سد النهضة، الذي بدأت أثيوبيا في عام 2011 ببنائه على النيل الأزرق بكلفة 6 مليارات دولار، مخاوف السودان ومصر بشأن ضمان حصتيهما من مياه النيل.
ودخلت الدول الثلاث منذ ذلك الوقت في مفاوضات للاتفاق على الحد من تأثير السد الأثيوبي على كل من السودان ومصر.
ويخشى كل من السودان ومصر من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر.
يشار إلى أن التفاوض استؤنف بعد جهود بذلها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع القاهرة وأديس أبابا، من أجل الجلوس مجددا حول مائدة المفاوضات.
وعُلقت المفاوضات إثر رفض إثيوبيا توقيع مسودة اتفاق أعدتها الولايات المتحدة والبنك الدولي حول ملء أديس أبابا لسد النهضة.
كما رفضت كل من السودان ومصر مقترحا إثيوبيا في 12 مايو، بتوقيع اتفاق جزئي للبدء بملء بحيرة السد في يوليو المقبل.
الأوبزرفر العربي