النمسا تواصل حملتها الأمنية ضد منظمات الإخونجية والجمعيات التابعة لها
تواصل النمسا حملتها الأمنية ضد منظمات الإخونجية والجمعيات التابعة لها، انطلاقاً من قناعة السلطات بأن الجماعة لم تتخل عن العنف كاستراتيجية، بل تغلفه بشرعية دينية، ما يجعلها خطرا كبيرا على النمسا.
وقطعت النمسا مع الأسلوب المتردد في مواجهة التشدد، والقائم على حملات أمنية محدودة لاعتقال المتهمين المباشرين في العمليات الإرهابية، وبدأت تعتمد مواجهة أشمل وأكثر حزْمًا في التعاطي مع الإرهاب، من خلال تفكيك الشبكات الإخونجية الحاضنة للتشدد، تربويّا واجتماعيّا وماليًّا.
وقال ممثلو الادعاء في النمسا إن الشرطة ألقت القبض على العشرات من المشتبه فيهم، ضمن عملية لمكافحة الإرهاب، لكن ليست هناك صلة تربط المعتقلين بهجوم دام وقع في فيينا قبل أسبوع قتل فيه متشدد أربعة أشخاص.
ورغم عدم وجود صلة مباشرة بين عملية فيينا الأخيرة والاعتقالات التي طالت محسوبين على الإخونجية وحركة حماس، إلا أن النمساويين يقولون إن هناك صلة قوية بين الحادثين، ذلك أن الإخونجية يوفرون الأرضية الملائمة للتشدد، ليس في النمسا فقط بل في أوروبا ككل.
وتحتجز النمسا رسميا عشرة من المشتبه فيهم على صلة بالهجوم الذي نفذه مسلح يبلغ من العمر عشرين عاما، سبق أن أدين بمحاولة الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وأردته الشرطة قتيلا بالرصاص بعد دقائق من إطلاقه النار على الحانات والمارة وسط فيينا.
وذكر مكتب المدعي العام في مدينة غراتس الجنوبية أن المداهمات التي نُفذت على شقق ومنازل ومحلات تجارية ومقار جمعيات في أربع مقاطعات نمساوية استهدفت أشخاصا يشتبه في انتمائهم أو دعمهم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية وتنظيم الإخونجية.
وقال المكتب في بيان “يتعلق الاشتباه بالانتماء إلى منظمة إرهابية وتمويل الإرهاب والعمل ضد مصلحة الدولة والانتماء إلى تنظيم إجرامي وغسل الأموال”، مضيفا أن التحقيق بدأ منذ أكثر من عام.
وقال مكتب المدعي العام إنه يحقق مع أكثر من 70 شخصا للاشتباه في انتمائهم إلى حماس والإخونجية ودعمهم لهذين التنظيمين.
وجماعة الإخونجية ليست مدرجة على قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للإرهاب، لكن المدعين قالوا إنهم يحققون في الروابط بين التنظيمين.
واعتبر متابعون لمسار مواجهة الإرهاب في أوروبا أن النمسا اختارت طريقا مباشرا في مواجهة الإرهاب، وإن كان طريقا صعبا ومعقدا، وهو تفكيك الجمعيات والمراكز ذات الأدوار الاجتماعية والشبابية المتعددة التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، والتي يعتبرها النمساويون الأرضية الأولى التي يتم فيها استقطاب المتشددين وشحنهم عقائديًّا.
وأشار هؤلاء المتابعون إلى أن النمسا استفادت من تجارب مختلفة في قرارها بتفكيك الجماعة الأم للإسلام السياسي، أي جماعة الإخوان المسلمين، والتي تسيطر على مختلف أنشطة الجالية وجمعياتها المدنية.
ولفتوا إلى أن السلطات النمساوية فهمت أخيرا -وكأول بلد غربي- أن التطرف هو شبكة علاقات معقدة وعقلية انعزالية رافضة للمجتمع الغربي، وأن تفسير الظاهرة بردود الفعل على الرسوم المسيئة أو شعارات اليمين، إنما يوفر لها المزيد من أسباب انتشارها بدل تطويقها والعمل على تجفيف منابعها بشكل كامل.
وقال وزير الداخلية كارل نهامر إن الهجوم استهدف أفرادا يشتبه في تورطهم في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة و”الأنشطة المعادية للدولة”.
ووصف جماعة الإخونجية، التي لطالما أشار أعضاؤها إلى أنفسهم على أنهم حركة سلمية، بأنهم “أحد أشهر الفاعلين في الإسلام السياسي… عازمون على تقويض الديمقراطية وإرساء الشريعة الإسلامية”.
وأضاف نهامر “إننا نلاحق هذه المنظمات الإجرامية والمتطرفة والبغيضة بكل القوة والإمكانيات التي يوفرها لنا حكم القانون”.
من جانبها، قالت سوزان راب، وزيرة الاندماج، إن ذلك يظهر أن الحكومة تعني العمل في المعركة ضد “الأيديولوجيات المتطرفة”.
وأضافت “لن نسمح بنشر العقائد المتطرفة في النمسا وسنواصل اتخاذ إجراءات ضدها”.
وأوضحت “من الخطر أن يصل تأثير الإسلام السياسي إلى النمسا من الخارج عن طريق جماعات مثل الإخونجية”.
وأمرت الحكومة النمساوية بإغلاق ما وصفته بـ”المساجد المتطرفة” بعد أربعة أيام من هجوم فيينا، وذلك في سياق تنسيق نمساوي فرنسي لمواجهة التطرف يؤمّل أن يمثل نواة لتحرك أوروبي أكبر يقوم على تفكيك البنية التحتية للإرهاب، والتي تمثلها جمعيات ذات طابع ديني ودعوي أو ثقافي أو مالي عابر للدول، والاستفادة من خبرات الدول الإسلامية في مكافحة الإرهاب خاصة دول المغرب العربي ومصر.
ويقول خبراء في مجال الإرهاب إن سهولة تنقل المتشددين وتنفيذ عملياتهم تعود إلى غياب تنسيق استخباراتي أوروبي جدي في ظل التعاطي مع العمليات الإرهابية كحدث أمني محدود، فيما يغطي المتشددون على تنقلهم بين الدول الأوروبية من خلال شبكات تنسيق مرنة.
وأكدت النمسا الاثنين صحة التقارير التي أفادت بأن منفذ عملية فيينا التقى في الصيف بأفراد من ألمانيا كانوا تحت المراقبة وكذلك برجلين اعتُقلا منذ ذلك الحين في سويسرا.
وصار حجم إخفاق المخابرات النمساوية أكثر وضوحا عندما أكدت وزارة الداخلية أن المهاجم شارك في اجتماع كبير في الصيف ضم إسلاميين من الخارج.
واعترفت النمسا بارتكاب “أخطاء لا تُغتفر” في التعامل مع المعلومات المخابراتية المتعلقة بمنفذ الهجوم.
وكانت النمسا قد أكدت في وقت سابق أن المسلح حاول شراء ذخيرة في سلوفاكيا والتقى بأفراد من ألمانيا كانوا تحت المراقبة.
ونقلت صحيفة “إن.زد.زد إم زونتاج” السويسرية يوم الأحد عن مصدرين قولهما إن رجلين اعتُقلا في سويسرا لصلتهما بهجوم فيينا، كانا قد سافرا إلى المدينة بين يومي 16 و20 يوليو للقاء منفذ الهجوم.
وقال المدير العام للأمن العام فرانز روف في مؤتمر صحافي “جرى لقاء في فيينا بين الأفراد الذين ذكرتم أنهم من ألمانيا وسويسرا، لكن هذا اللقاء حضره آخرون… اعتقلوا في سياق التحقيق”.
وأضاف “ضم ذلك اللقاء عددا أكبر… قضى بعضهم الليلة بينما غادر الباقون”.
واستقال رئيس وكالة المخابرات الداخلية الرئيسية لمدينة فيينا، وهو حاليا في انتظار التحقيق في ما حدث من أخطاء.
وقال روف إن المخابرات النمساوية “معروفة بضعفها ويجب تعزيزها” كجزء من عملية إصلاح مستمرة.
الأوبزرفر العربي