خلافات بين قيادات “طالبان الإرهابية” حول القيود المفروضة على الأفغانيات
أثارت قرارات بشأن النساء اتخذتها حركة طالبان الإرهابية في أفغانستان، خلافات بين قادتها، الذين يحاولون تجنّب نقاش علني في هذا الصدد، خشية تقويض حكمهم.
وكانت مدرّسة الرياضيات الأفغانية أروزا غاضبة وخائفة، فيما كانت تتسوّق مع صديقتها، الأحد، في أحد أحياء كابول، أثناء دورية لمسلحين من الحركة. وخشيت أروزا ألا يكون شالها الضخم، الملفوف بإحكام حول رأسها، ومعطف بني ترتديه، منسجمين مع مرسوم أصدره قبل أيام زعيم “طالبان”، هبة الله أخوند زاده، يأمر النساء بارتداء البرقع في الأماكن العامة، وأن تكون عيونهنّ فقط مرئية، وحضّهنّ على تجنّب مغادرة منازلهنّ إلا عند الضرورة، محدداً عقوبات على رجال أقارب لنساء ينتهكن القانون.
أروزا لم تكن ترتدي البرقع، وكانت تُظهر أكثر من عينيها، حسبما أفادت وكالة “أسوشيتد برس”، التي اعتبرت مرسوم أخوند زاده ضربة كبرى لحقوق المرأة في أفغانستان، التي شهدت حرية نسبية في العقدين الماضيين، قبل استعادة “طالبان” السلطة في أغسطس الماضي، مع انسحاب قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة.
“لا نريد أن نعيش في سجن”
ورأت أروزا أن قادة الحركة يدفعون الأفغان إلى مغادرة بلادهم، متسائلة: “لماذا أبقى هنا إذا كانوا لا يريدون منحنا حقوقنا الإنسانية؟ نحن بشر”.
في كابول الأحد، ارتدت غالبية النساء حجاباً تقليدياً، يشمل غطاءً للرأس ورداءً طويلاً أو معطفاً، لكن قلّة منهنّ غطّين وجوههنّ، بحسب توجيهات زعيم “طالبان”.
وقالت شبانة: “ترتدي النساء في أفغانستان الحجاب، وكثير منهنّ يرتدين البرقع، لكن الأمر لا يتعلّق بالحجاب، بل برغبة طالبان في جعلنا غير مرئيين”.
وأشارت “أسوشيتد برس” إلى أن كثيراً من النسوة تحدين مرسوم أخوند زاده. ونقلت عن بارفين قولها: “لا نريد أن نعيش في سجن”.
صدام مفتوح
الوكالة أشارت إلى أن أخوند زاده نادراً ما يخرج من مدينة قندهار جنوبي البلاد، ومعقل “طالبان”. وأضافت أنه يفضّل تبنّي نهج متشدد، اعتمدته الحركة خلال حكمها سابقاً لأفغانستان، بين عامَي 1996 و2001، عندما مُنعت الفتيات والنساء إلى حدّ كبير من الدراسة والعمل والمشاركة في الحياة العامة. ونقلت عن محللين إن أخوند زاده يلتزم بتقاليد قروية قبلية، تشمل تزويج الفتيات غالباً لدى بلوغهنّ، كما أنهنّ نادراً ما يغادرن منازلهنّ.
وذكرت “أسوشيتد برس” أن “طالبان” تضمّ براجماتيين ومتشددين، فيما تكافح للتحوّل من حركة تمرد إلى سلطة حاكمة. وتواجه حكومة الحركة أزمة اقتصادية متفاقمة، وتعثرت جهودها لكسب اعتراف دولي ومساعدة من الدول الغربية، غالباً لأنها لم تشكّل حكومة أكثر تمثيلاً، وفرض قيوداً على حقوق الفتيات والنساء.
وتجنّب المتشددون والبراجماتيون في الحركة، خوض صدام مفتوح حتى الآن. لكن الانقسامات تفاقمت في مارس الماضي، عشية بدء السنة الدراسية الجديدة، حين أصدر أخوند زاده قراراً في اللحظة الأخيرة، بمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد إكمالهنّ الصف السادس.
وفي الأسابيع التي سبقت بدء السنة الدراسية، قال قياديون في “طالبان” لوسائل إعلام إن كل الفتيات سيُسمح لهنّ بالعودة إلى المدرسة، لكن أخوند زاده اعتبر أن السماح للفتيات الأكبر سناً بالعودة إلى المدرسة، يُعدّ انتهاكاً للمبادئ الإسلامية، بحسب “أسوشيتد برس”.
كل شيء قد ينهار
الوكالة نقلت عن شخصية أفغانية بارزة، تلتقي قادة الحركة وتدرك خلافاتهم، إن وزيراً بارزاً أعرب عن غضبه من آراء أخوند زاده، خلال الاجتماع الأخير لقيادة “طالبان”.
ورجّح طارق فرهادي، مستشار الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، أن يكون قادة الحركة اختاروا الامتناع عن خوض سجال علناً، إذ يخشون أن أيّ تصوّر لانقسامات في ما بينهم، يمكن أن يقوّض حكمهم.
وأضاف: “(أعضاء) القيادة لا يتفقون في عدد من المسائل، لكنهم يدركون أن كل شيء قد ينهار، إن لم يحافظوا على وحدتهم. في هذه الحالة، قد نشهد بداية صدام بينهم. لهذا السبب، قرّر المشايخ أن يتحمّلوا بعضهم بعضاً، بما في ذلك عندما يتعلّق الأمر بقرارات غير مقبولة، تكبّدهم الكثير من الصخب، داخل أفغانستان ودولياً”.
التعليم من حق الفتيات
يبدو أن بعض القياديين الأكثر واقعية، يبحثون عن حلول هادئة من شأنها تخفيف قرارات متشددة، بحسب “أسوشيتد برس”. ومنذ مارس الماضي، دعت مجموعة متزايدة، تضمّ بعضاً من أبرز قادة الحركة الإرهابية، إلى إعادة الفتيات الأكبر سناً إلى المدرسة، متجاهلين بهدوء مراسيم أخرى قمعية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال أنس حقاني، الشقيق الأصغر لسراج الدين، زعيم “شبكة حقاني”، خلال مؤتمر في مدينة خوست شرق البلاد، إن التعليم من حق الفتيات، مرجّحاً عودتهنّ إلى المدرسة قريباً. وشدد على أن المرأة تؤدي دوراً في بناء الوطن، قائلاً: “ستتلقون أخباراً جيدة جداً تجعل الجميع مسرورين جداً… هذه المشكلة ستُسوّى في الأيام المقبلة”.
واعتبر عبيد الله باهر، وهو باحث زائر في “الكلية الجديدة” بنيويورك ومحاضر سابق في الجامعة الأميركية بأفغانستان، أن “هذه المراسيم تحاول محو جنس وجيل كاملين من الأفغان، نشآ وهما يحلمان بعالم أفضل”. وأضاف أن ذلك “يدفع عائلات إلى مغادرة البلاد بأيّ وسيلة ضرورية، ويؤجّج مظالم ستتحوّل في النهاية إلى تعبئة واسعة ضد طالبان”.
وبعد حرب دامت عقوداً، اعتبر باهر أن الأمر لم يكن يتطلّب الكثير من “طالبان”، لجعل الأفغان راضين عن حكمها، منبّهاً إلى “فرصة تبدّدها بسرعة”.