اعترافُُُ صريح
وحيد عبد المجيد
فقرة واحدة تحوى ما يمكن اعتباره جديدًا ذا أهمية بالغة فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكى الجديدة المكونة من 42 صفحة. فى هذه الفقرة اعترافُ صريح للمرة الأولى بأن الصين هى الدولة الوحيدة التى تستطيع تغيير النظام العالمى الراهن، وأنها تُمَّثل لهذا السبب التحدى الأول للولايات المتحدة.
أما روسيا فقد صارت، وفق هذه الاستراتيجية، التهديد الأكثر خطرًا للعالم. ويُفهم من سياق الوثيقة أن واضعيها يُميزون بين ما يرونه تهديدًا لنظامٍ عالمى يتمسكون به، وخطرًا على العالم ولكن ليس على هذا النظام، لأن العبرة بالقدرة الحقيقية التى تُتيح تغييره، وليس بالكلمات أو المغامرات التى تؤذى كثيرين فى العالم، ولكنها لا تُغير تركيب النظام العالمى.
وربما يكون الإفصاح عن هذا الاعتراف هو ما أدى إلى تأخر إصدار وثيقة يُفترض أن ترسل إلى الكونجرس فى بداية فترة كل إدارة جديدة. ولكن إدارة بايدن أصدرت استراتيجية مؤقتة فى مارس 2021، قبل أن تقدمها فى صورتها النهائية حين رأى مُعدوها أن الصورة باتت واضحةً لديهم.
تفتقر إلى العقل
ولكن إذا كانت لدى إدارة بايدن شجاعة الاعتراف بواقعٍ يعرفه المطلعون على موازين القوى العالمية، فهى تفتقرُ إلى العقل فى التعامل مع هذا الواقع بعيدًا عن الغطرسة والاستعلاء. فالوجهُ الثانى للاعتراف بقدرات الصين، فى حالة وجود سياسة العقلانية، هو الاتجاه إلى التفاوض عوضًا عن المواجهة، من أجل الانتقال إلى نظام عالمى ثنائى القطبية، بما يستلزمه ذلك من تعديلٍ فى منظمات ومواثيق ومعاهدات دولية، وما يرتبط به من تفاهماتٍ بشأن القضايا الأساسية فى العالم، وليست العلاقات الثنائية فقط. فليس فى مصلحة الولايات المتحدة وكذلك الصين، استمرار مواجهة تتيح لأطراف أخرى اللعب بالنار، وأخذ العالم إلى حافة الهاوية، حتى إذا كان كلُ منهما حريصًا على وضع سقف لما تبلغه هذه المواجهة.
وفى حالة نجاح مفاوضات جادة فى هذا الاتجاه، تستطيع الولايات المتحدة والصين بما لدى كل منها من نفوذ خلق حالة قبول واسع فى العالم لما تتفقان عليه، على النحو الذى ييسِّر عملية الانتقال إلى نظام عالمى يؤملُ أن يكوت أفضل أو أقل سوءاً.