انتخابات تركيا.. وانقسام المعارضة
خورشيد علي
مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، يبدو المشهد أمام صورتين، معارضة عاجزة عن تجاوز انقساماتها والتوافق على مرشح رئاسي، واستراتيجية الرئيس رجب طيب أردوغان للفوز بالانتخابات.
ويعتمد “أردوغان” على رهانات يخطط لها مع فريقه الحكومي، وحليفه في “تحالف الجمهور”، دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية.
أحزاب طاولة الستة المعارضة “حزب الشعب الجمهوري، الجيد، الوطن، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، السعادة” عقدت سلسلة اجتماعات دورية شهرية منذ فبراير/شباط الماضي على مستوى الرؤساء، إلا أنها فشلت في التوافق على مرشح رئاسي، كما أنها فشلت في التوصل إلى قرار إنْ كانت ستخوض هذه الانتخابات بمرشح واحد أو كل حزب سيخوضها خلف مرشحه الخاص.
في جدل الأسماء والمرشحين يبرز اسم زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كليجدار أوغلو، كمنافس للرئيس أردوغان، لكن مشكلة كليجدار أوغلو أنه لا يلقى إجماعا حتى الآن من قبل أحزاب طاولة الستة، كما أن داخل حزبه مرشحين أقوياء محتملين، من أمثال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، دون أن يعني ما سبق التقليل من حظوظه كمرشح توافقي، في ظل خبرته الطويلة، وإصرار أروقة الحزب عليه، وغياب مرشح قوي منافس له في صفوف طاولة الستة، والأهم علاقته القوية مع الغرب، حيث زار الولايات المتحدة قبل أسابيع قليلة، ويزور حاليا بريطانيا وألمانيا.
معضلة المعارضة التركية في الوصول إلى السلطة لا تتوقف على عدم التوافق على مرشح رئاسي فحسب، وإنما تصل إلى الموقف من إمكانية التحالف مع حزب “الشعوب الديمقراطية”، المُدافع عن الحقوق الكردية في البلاد، من عدمه، فهذا الحزب الذي هو الثالث في البرلمان، وتقدر كتلته الانتخابية بأكثر من عشرة بالمئة من مجموع الأصوات، وربما تزيد هذه النسبة بعد تشكيله تحالفا مع سبعة أحزاب يسارية وحقوقية مؤخرا، يشكل نقطة خلاف قوية بين الحليفين الأساسيين في طاولة الستة، أي حزب “الشعب الجمهوري” وحزب “الجيد” بزعامة ميرال أكشنار.. إذ ترفض الأخيرة أي تحالف أو تفاهم مع حزب “الشعوب”، المتهم من قبل أوساط حكومية وقومية بـ”العمل كذراع سياسية لحزب العمال الكردستاني، المصنف في قائمة المنظمات الإرهابية بتركيا.
ولا يُستبعد أن يدفع هذا الخلاف إلى انشقاقات في تحالف “الجمهور”، إذ ما علمنا أن الصوت الكردي بات يشكّل الضامن الأكيد، وربما الوحيد، لفوز المعارضة بالانتخابات المقبلة، ما قد يدفع كليجدار أوغلو إلى عقد تفاهمات معه، فيما ترفض “أكشنار” ذلك وتراهن على الأوساط القومية، التي تقول إنها باتت تشكل 65 بالمئة من الكتلة الانتخابية في عموم البلاد.
في المقابل، الرئيس أردوغان يتحرك كفائز أكيد، وهو في ذلك يراهن على جملة قضايا، في مقدمتها انقسام المعارضة وفقدانها شخصا يتمتع بكاريزما قوية، لذا أعلن مرارًا تحديه في أن تعلن هذه المعارضة عن مرشحها لخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهته، لكن الجوهر في استراتيجيته يقوم على خطوات أعدها مع فريقه الحكومي، ومن أهم هذه الخطوات تحسين الوضع الاقتصادي عبر سلسلة خطوات، كزيادة الحد الأدنى للرواتب من جديد، وزيادة الإنفاق الحكومي، وخفض الضرائب، وإطلاق حوافز مالية تلامس أصحاب الدخل المحدود والفقراء، وحوافز دعم للشركات الصغيرة، فضلا عن وعود بأن قطاع الطاقة لن يتأثر على خلفية الأزمة الأوكرانية، مراهنا في ذلك على علاقته الجيدة بكل من روسيا وأوكرانيا، والتوسط بينهما، وجعل تركيا خزانا لتصدير الوقود، بعد توسطها في اتفاقية نقل الحبوب، فضلا عن تحركه على جبهة المصالحة بين أذربيجان وأرمينيا، وتحسين العلاقات مع الدول العربية وإسرائيل.
كل ذلك يشكّل مكاسب سياسية ودبلوماسية للرئيس أردوغان توضع في صناديق الانتخابات، ولعل استراتيجيته هذه تعبر عن إداركه مشكلتين تقلقانه:
الأولى قضية اللاجئين السوريين في بلاده، بعد أن جعلتها المعارضة ورقة ضده عبر تحمليه مسؤولية الأعباء التي خلفتها هذه القضية في الداخل التركي.
والثانية مشكلة التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية أمام الدولار وعلاقة ذلك بارتفاع الأسعار.
وعليه، فإن استراتيجية الرئيس “أردوغان” تبدو أشبه بخطة لسحب هاتين الورقتين من أيدي المعارضة، وعلى هذا الأساس ينبغي النظر إلى وعوده وقادة حزبه بتحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي في المرحلة المقبلة، بل والحديث عن أن القرن المقبل “سيكون قرن تركيا”، كما يركز “أردوغان” في خطاباته الأخيرة، ويبدو أن هذه الاستراتيجية حسّنت قليلا من شعبيته وحزبه كما تقول استطلاعات رأي نشرت مؤخرا.
وينتظر الرئيس “أردوغان” معرفة منافسه في هذه الانتخابات، وربما يعد حساباته لخوض جولة ثانية، إذا لم تحسم النتيجة من الجولة الأولى، فيما على الجانب الآخر، تبدو المعارضة في انتظار دخان أبيض يخرج من طاولة الستة للتوافق على مرشح رئاسي، والأهم كيفية التوافق مع حزب “الشعوب الديمقراطي”، الذي بفضل أصوات ناخبيه فازت المعارضة في الانتخابات البلدية السابقة في إسطنبول، التي يقول الأتراك عنها إن “مَن يحكمها يحكم تركيا”.
بين انقسامات وخلافات المعارضة وعدم توافقها على مرشح رئاسي، واستراتيجية الرئيس رجب طيب أردوغان، حسابات دقيقة، ورهانات كثيرة، وتحديات صعبة، إذ يعمل كل طرف منهما على وضعها في خدمة معركته الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، التي تتزامن مع مرور قرن على تأسيس الجمهورية التركية.