“القاعدة” والخطة “ب” في السودان
في الأسابيع الأخيرة، لاحظنا اهتماما متزايداً من جانب تنظيم “القاعدة” بالقارة السمراء، وذراعها السياسية، جماعة الإخوان المسلمين، لإيجاد موطئ قدم في السودان.
تستغل جماعة الإخوان وعناصر تنظيم “القاعدة” الوضع السيئ الذي تمرّ به البلاد، كما تحنّ قيادات التنظيم إلى حقبة الرئيس السابق، عمر حسن البشير، المتحالف مع الإخوان، والذي أطاح به الجيش عام 2019.
بعد حلّ حزب الإخوان، يحاول التنظيم حشد أنصاره مجدداً، بل وجمعهم أمام مقر بعثة الأمم المتحدة، مقدّماً نفسه كطرف للحل للخروج من الأزمة، وكما هو معروف فإن هذا هو أسلوب “خفي” لـ”القاعدة” والإخوان شاهدناه في بلدان أفريقية أخرى.
ويتزامن بروز نوايا جماعة الإخوان في السودان إلى السطح مع نشر أبو حذيفة السوداني، وهو أحد قادة ومنظري القاعدة، بياناً مطولاً من 82 صفحة لجأ فيه إلى الترويج لاستراتيجية “دعاية التماسك والتجنيد” الموجهة للجمهور مستهدف في السودان، وهذا التكتيك الأخير أكده واستخدمه مرار في الفترة الأخيرة تنظيم الإخوان في السودان.
إذا هل هي مصادفة؟ قطعاً لا، لأن مساعي “القاعدة” والإخوان للتدخل في شؤون السودان لم تتوقف يوماً. لكن ما السبب؟… يعود الأمر إلى تراجع حركة “الشباب” في الصومال، وهو التدهور الذي سيستمر على المدى القصير والمدى المتوسط أيضا، حيث دفع هذا التراجع لـ”الشباب” تنظيم “القاعدة” إلى وضع الخطة “ب”، وتتمثل هذه الخطة البديلة في إيجاد موطئ قدم في السودان بالنظر إلى تسارع الهزائم التي تلقاها التنظيم، ليس فقط في الصومال، ولكن أيضاً في إثيوبيا وكينيا بعد تشكيل جبهة مشتركة ضد الإرهاب.
في المقابل لن يقبل رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة في السودان، عبد الفتاح البرهان، بعودة جناح جماعة الإخوان الذي تم حله، واستبق تلك التحركات وحذّر في خطابا ألقاه في قاعدة عسكرية غربي الخرطوم بقوله: “نحذر السياسيين من التدخل في شؤون القوات المسلحة”، في إشارة إلى آخر تحركات جماعة الإخوان في السودان، والتي تخطط أيضاً للتدخل في شؤون الجيش لإثارة الفتنة والانقسامات.
وبالتوازي مع تحركات جماعة الإخوان، بدأ إرهابيو القاعدة نشاطهم بالفعل في السودان، في الوقت الراهن من خلال حشد أجهزتهم الدعائية التي نشرت وثيقة لأبي حذيفة السوداني، والتي يحرض فيها على تشكيل خلايا إرهابية في السودان مستفيدا من تطبيق خبرته التي اكتسبها في سوريا.
ويستخدم أبو حذيفة السوداني نفس الأساليب الدعائية التي اعتاد تنظيم “القاعدة” على استخدامها للحديث عن طرفين متصارعين، أحدهما من يصفهم التنظيم بـ “الأعداء”، والآخر هم الإرهابيون كبديل وحيد.
ويؤكد أن “العدو” يريد السيطرة على السودان والتحكم في مقدراته، وأن “القاعدة” هي الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، وأن من يعارضها يريد سرقة ونهب خيرات البلاد.
في الوثيقة المذكورة، ينتهز الفرصة للتحدث بالسوء عن الحكومة الحالية، لكنه لم يذكر نظام البشير، وهو ما يؤكد وجود صلات بين تنظيم “القاعدة” والنظام السابق.
ونحن نرى أنه عندما يخاطب أبو حذيفة جمهوره المستهدف،ويحثه على يقوم بذلك عن طريق الاستشهاد بـ “المجاهدين في السودان”، ويطلب منهم التحرك من خلال النشاط الإعلامي للتأثير على الرأي العام في البلاد، فإننا نعتقد أن هذا دليل على أن إعداد هذه الوثيقة قد تم بدرجة عالية من التنسيق مع تنظيم “القاعدة” المركزي بهدف جذب اتباع سودانيين جدد.
وفي قراءة للوثيقة يرى أبو حذيفة أنه يمكن للأتباع أن “يلتحقوا بالرفيق الأعلى كشهداء”، ويقدم إرشادات للناس كما لو أن التنظيم هو “ممثل الله على الأرض”، ما يمنحه السلطة لتنظيم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
ويحرض التنظيم علانية على الانتفاض ضد البرهان وحكومة السودان وباقي الأطراف السياسية، مؤكدين أن الوحدة التي يحقق السودان عن طريقها السلام هي بمثابة “إعلان حرب” ضد أنصار القاعدة. ولتحقيق هذا الهدف، لا تتردد القاعدة في الاستهتار بأرواح السودانيين بالقول إنه “يجب أن يكون السودان ساحة من ساحات الجهاد”.
بناء على ما سبق، نؤكد أنه بما لا يدع مجالا للشك أنه من الواضح أن السودان هو بالفعل الهدف التالي لتنظيم “القاعدة”، وهو ما يعني أن مسؤولية الدفاع عنه لا تقع على عاتق الجيش السوداني فقط، ولكن المجتمع الدولي بأسره، إذا لم يرغب في تشكّل معقل جديد للقاعدة في إفريقيا.