حلول قليلة لمشكلة الساحل الأفريقي
في خضم الربيع العربي الزائف اندلع تمرّد الطوارق شمال مالي يناير 2012.
وقد تم التلاعب بهذا التمرّد بمهارة الإرهابيين، الذين استولوا عليه، لشن هجوم امتد لاحقا إلى دول أخرى جنوب الصحراء.
ومنذ عام 2002، تعاني نيجيريا من آفة الإرهاب، التي انتقلت بعد سنوات إلى دولة مالي.
وكان الفارق الوحيد هو أن الجيش المالي يُقاتل ضد تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”، وفي نيجيريا يحارب الجيش “بوكو حرام”، الموالي لـ”داعش”، وبعد سنوات دخل على الخط تنظيم “أنصارو”، الموالي لتنظيم “القاعدة” الإرهابي أيضا.
لم تكن كل هذه الأحداث محض مصادفة، بل كانت نتيجة استراتيجية خفية دامت سنواتٍ عديدة لم تنتبه فيها حكومات الساحل لخطاب التطرّف وهو يعلو، إذ انتشر كالنار، رغم أنه كان غريبا على طريقة التدين التقليدية لشعوب المنطقة المعروفة بالتسامح والوسطية.
وتعرف منطقة الساحل وجود فروع “القاعدة” الإرهابي التالية: جماعة نصرة الإسلام، وأنصارو، وأنصار الإسلام، وكتيبة ماسينا.
أما فروع “داعش” الإرهابي الموجودة هناك فهي: داعش في غرب أفريقيا، وداعش في الصحراء الكبرى، وبعض معاقل بوكو حرام.
أي إننا نتحدث عما لا يقل عن 7 مجموعات إرهابية وكتائب جديدة تظهر بين حين وآخر لتستأنف النشاط الإرهابي في الأراضي التي تسيطر عليها.
وقد دخلت دول أوروبية إلى الساحة الأفريقية محاولة توظيف استياء سكان البُلدان المتضررة من الإرهاب لحشد الرأي العام إلى جانب مصالحها.
وهذه ليست استراتيجية غريبة، فجميع الدول الكبرى تقوم بها منذ أيام الحرب الباردة، أي إن صراع النفوذ هذا يهدف إلى رسم الحدود غير المرئية لكل طرف على الأراضي الأفريقية.. في وقت يجب فيه على الأطراف جميعها تأجيل صراع النفوذ إلى وقت آخر، لأننا لا يجب أن نفكر في رسم حدود جديدة في أفريقيا حاليا، بل في محاربة الإرهابيين هناك.
في 2 يناير/كانون الثاني 2023، وصل تنظيم “داعش” الإرهابي إلى إعلان مسؤوليته عن محاولة اغتيال رئيس نيجيريا، محمد بوخاري، في مدينة أوكيني، بهجوم أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.. بهذا رفع “داعش” بالفعل سقف أهدافه المعتادة، التي كانت مقتصرة على مهاجمة قوات الجيش أو الشرطة.
ومنذ عام 2012، لم يهاجم الإرهابيون موريتانيا، لكنهم ركزوا على مالي وبوركينا فاسو.. وفي تشاد والكاميرون ينفذون هجمات متفرقة.. فيما تحارب النيجر بقوة حتى لا يزداد الوجود الإرهابي بها.
كذلك في نيجيريا، نرى كيف بدأ الإرهابيون عام 2022 بالتقدم نحو الساحل.. في كل هذا لم تتفاعل الأمم المتحدة ولا جهات إقليمية، بل اكتفت بسماع الأخبار.
لقد مرّت 10 سنوات منذ بدء التدفق الإرهابي في مالي، وبدلا من اقتراح الحلول الناجعة نرى ازدياد الوضع سوءًا.. لقد اتخذت البُلدان الأفريقية العديد من الإجراءات ضد الإرهابيين، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء تقريبا ضد أولئك الذين ينشرون نظريات متطرفة والخطاب المتشدد، الذي يشكل نواةً للتجنيد لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين.
الإجراء الوحيد الممكن اتخاذه ضد الإرهابيين، والذي يوفر بعض الثقة في الوقت الحالي، هو “مبادرة أكرا”، التي تم تشكيلها قبل خمس سنوات من طرف بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا ومالي والنيجر وتوجو، ونيجيريا التي انضمت في وقت لاحق.. إذ تعيش جميع هذه البلدان مشكلة الإرهاب أكثر من غيرها لأنها اكتوت بناره وتواجهه يوميا.
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التقى ممثلو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في أكرا، وأبدى الأوروبيون اهتمامهم بالاجتماع، لكن ذلك الاهتمام لم يتجاوز عبارات الإشادة المعتادة.
وتخطط “مبادرة أكرا” لتشكيل قوة قوامها 10 آلاف جندي تتمركز في شمال غانا ومقر استخبارات في واجادوجو.. لكن الجزء السلبي فيها أنها لا تزال تبحث عن التمويل اللازم.
إذا كنت تريد التعلّم من الماضي، يجب ألّا تغض الطرف والنظر إلى الاتجاه الآخر لسنوات عديدة كما حدث في أفريقيا.. حيث سُمح بانتشار ظاهرة كان المحللون يحذرون منها قبل عشرين عاما.. إذ كان من الممكن القضاء على آفة الإرهاب في مهدها، وقطع سبل تمويلها، حينها كان غرب أفريقيا سيكون مختلفًا عن الذي نعرفه اليوم.