النقابات الفرنسية تدعو ليوم ثان من الاحتجاجات ضد مشروع نظام التقاعد
وبعد نجاحها في حشد وتعبئة العمال في مظاهرات مليونية، جددت النقابات العمالية الفرنسية الكبرى دعوتها إلى يوم احتجاجي ثان من المظاهرات والإضرابات في 31 يناير/كانون الثاني في محاولة لإجبار ماكرون وحكومته على التراجع عن مشروع إصلاح نظام التقاعد.
ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، توحدت جميع النقابات العمالية الفرنسية في جبهة مشتركة ضد المشروع، الذي يقضي برفع سن التقاعد إلى 64 عاما بحلول 2030، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي
وشارك أكثر من مليون شخص في مسيرات بالمدن الفرنسية الخميس للتنديد بإصلاح نظام التقاعد الذي يريده الرئيس إيمانويل ماكرون، وأدت موجة من الإضرابات على مستوى البلاد إلى إغلاق عدة مؤسسات تعليمية وتوقف القطارات وإغلاق المصافي والحد من توليد الطاقة. ويواجه المشروع الإصلاحي، وفي مقدمته بند رفع سنّ التقاعد من 62 عامًا إلى 64 عامًا، اعتراضًا من جبهة نقابية موحّدة، بالإضافة إلى نقمة كبيرة لدى الرأي العام وفق الاستطلاعات. ويعارض اليسار كما اليمين المتطرّف هذا الإصلاح. وحده اليمين يبدو منفتحًا على إيجاد تسوية.
الحكومة في وضع صعب
وقالت النقابات في بيان مشترك “الآن تجد الحكومة نفسها في وضع صعب. الكل يعلم أن رفع سن التقاعد لا يفيد إلا أصحاب الأعمال والأثرياء”.
وقالت وزارة الداخلية إن حوالي 1,12 مليون متظاهر بينهم ثمانون ألفا في باريس خرجوا إلى الشوارع في عشرات الاحتجاجات في أنحاء فرنسا، وهو عدد أكبر من الموجة الأولى من المظاهرات التي خرجت عندما حاول ماكرون تمرير الإصلاح لأول مرة في عام 2019. وأوقف تلك المحاولة بسبب جائحة فيروس كورونا. وفي وقت سابق، اشارت نقابة “سي جي تي” الى “اكثر من مليوني” متظاهر.
وتمثل الاحتجاجات اختبارا كبيرا لماكرون، الذي قال الخميس إن إصلاحه لنظام التقاعد “عادل ومسؤول”، وضروري للمساعدة في إبقاء مالية الحكومة على مسار سليم. وتظهر استطلاعات الرأي معارضة معظم الفرنسيين لهذا الإجراء.
وتقول الحكومة إن إصلاح نظام التقاعد ضروري لضمان عدم إفلاسه. وجاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17,7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) مساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.
وتجادل النقابات بأن هناك وسائل أخرى لتمويل نظام المعاشات التقاعدية مثل فرض ضرائب على الأكثر ثراء أو زيادة مساهمات أرباب الأعمال أو مساهمات أصحاب المعاشات الميسورين.
وقال لوران بيرجيه رئيس الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي.إف.دي.تي)، أكبر نقابة في فرنسا، “يمكن حل هذه المشكلة بطريقة مختلفة، من خلال الضرائب. يجب ألا يضطر العمال لدفع عجز القطاع العام”.
ما جرى الخميس كان البداية فقط
التحدي الذي يواجه النقابات العمالية هو تحويل المعارضة والغضب من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها.
وقال زعماء النقابات إن ما جرى الخميس كان البداية فقط. وما زال يتعين إقرار الإصلاح في البرلمان الذي فقد فيه ماكرون أغلبيته المطلقة لكنه يأمل في إقراره بدعم من المحافظين. وكتبت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن على تويتر “دعونا نواصل النقاش والإقناع”.
ويعاني الفرنسيون تضخما بلغ معدّله 5,2% في العام 2022، في بلد سبق أن هزّته تظاهرات “السترات الصفر” احتجاجًا على غلاء المعيشة في ولاية ماكرون الأولى. وحذر رئيس نقابة “القوة العاملة” فريديريك سويو المعارض لهذا الاصلاح من أن “الصراع سيكون قاسيًا”، داعيًا إلى “شلّ الاقتصاد”. ورغم اختلاف أساليب عملها، تنشط النقابات الرئيسية الثماني ضمن جبهة موحدة للمرة الأولى منذ 12 عامًا.
وكان سائقو القطارات والمعلمون وعمال المصافي من بين المضربين عن العمل، إضافة إلى نصف العاملين في شركة كهرباء فرنسا (إي.دي.إف) لإنتاج الطاقة النووية والتي تديرها الدولة.
اضطرابات في النقل العام
وكان الإضراب ملموسًا جدًا في وسائل النقل، مع عدم تسيير أي قطار بين المناطق وتشغيل عدد قليل من القطارات الفائقة السرعة وحرمان قسم كبير من ضواحي باريس من سهولة النقل. وطلبت هيئة الطيران المدني من شركات الطيران الخميس إلغاء 20% من رحلاتها من مطار باريس-أورلي بسبب إضراب المراقبين الجويين.
ولفت “الاتحاد النقابي الموحد” للمدرّسين في فرنسا إلى إضراب 70% من المدرّسين في المدارس الابتدائية و65% منهم في المدارس المتوسطة والثانوية.
وقالت شركة تشغيل السكك الحديدية (إس.إن.سي.إف) إن خدمات قطارات الركاب عالية السرعة بين المدن وفي باريس شهدت اضطرابا شديدا.
وفي محطة جار دو نور المزدحمة، سارع الناس للحاق بالقطارات القليلة التي ما زالت تعمل بينما ساعد موظفون بسترات صفراء الركاب المنهكين.
وقالت بيفرلي جاينيه، وهي عاملة بأحد المطاعم لم تتمكن من الذهاب للعمل بسبب إلغاء رحلة القطار، إنها توافق على الإضراب حتى لو لم تشارك فيه. لكن لم يكن الجميع متفهمين للأمر.
وقالت فيرجيني بينتو، التي تعمل في مجال العقارات، وهي تسعى جاهدة للعثور على قطار أنفاق يأخذها إلى العمل “هم دائما نفس المضربين… وعلينا أن نتحمل الأمر”.
تكرار ما حدث في عام 1995
وعبر بعض أعضاء النقابات عن أملهم في تكرار ما حدث في عام 1995، عندما طلبت حكومة جاك شيراك من القوارب السياحية في نهر السين نقل الموظفين إلى العمل وتراجعت عن إصلاح لنظام المعاشات بعد إضرابات في قطاع النقل استمرت أسابيع.
لكن قدرة النقابات على شل أجزاء من ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وإجبار الحكومة على التراجع لم تعد كما كانت عليه من قبل. فقد قوض حظر يعود لعام 2007 على الإضرابات بدون سابق إنذار، لضمان الحد الأدنى من الخدمات العامة، من قدرة النقابات على مقاومة الطموحات الإصلاحية للحكومات.
وقد يؤدي عمل موظفين من منازلهم وتغييرات أخرى في ممارسات العمل أيضا إلى تقليص تأثيرها. ومع ذلك، أدى الإضراب لتوقف حركة العبارات بين دوفر وكاليه، وهو طريق بحري رئيسي للتجارة بين بريطانيا والقارة.
وأظهرت بيانات شركة كهرباء فرنسا وشركة نقل الكهرباء الفرنسية أن إنتاج الكهرباء انخفض نحو عشرة بالمئة من إجمالي إمدادات الطاقة، مما دفع فرنسا إلى زيادة وارداتها.
وقال مسؤولون نقابيون وآخرون من شركة توتال إنرجيز إن الشحنات محتجزة في مصافي الشركة في فرنسا. لكن الشركة أكدت أن يوما من الإضراب لن يؤدي إلى تعطيل عمل المصفاة.
وفرنسا إحدى الدول الأوروبية حيث السن القانوني للتقاعد هو الأدنى. اذ يبلغ في ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا 65 عاما و67 عامًا في الدنمارك، وفق مركز الروابط الأوروبية والدولية للضمان الاجتماعي، وهو مؤسسة عامة فرنسية. واختارت الحكومة الفرنسية أن تمدد فترة العمل للفرد، لمواجهة التدهور المالي لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان.