تمرُّد شباب الإخوان على جماعته الإرهابية
يمثل قطاع الشباب في تنظيم الإخوان الإرهابي نحو 90%، فيما يُسيطر على التنظيم كبار السن، الذين يقفون ضد أي تحولات قد يحملها هؤلاء الشباب.
ورغم سيطرة المُسنّين على جماعة الإخوان الإرهابية، فإن شباب التنظيم بدأ تمردًا جديدا بعد انتهاء إجراءات تولي صلاح عبد الحق منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، واعتراض الشباب هنا ارتبط بالشكل الذي تم به اختيار الرجل الأول في التنظيم عن طريق وصيّة المتوفَّى إبراهيم منير، وليس عن طريق الانتخاب المباشر.
هنا نؤكد أن تنظيمات الإسلام السياسي “فاشية”، بمعنى أن التعيين والوصية يمثلان الركيزة الأساسية في تشكيلات الهياكل التنظيمية، وليست الانتخابات، فالتنظيم الذي يدعو غيره إلى ممارسة الديمقراطية لا يمارسها أصلا وهو أبعد ما يكون عنها.
ويترجم شباب الإخوان هذه الوصيّة على أنها “وصاية على عقل التنظيم واختياراته”، فالقائم السابق بأعمال مرشد الإخوان يرى أن التنظيم غير قادر على الاختيار وليس مؤهَّلا لذلك، ولهذا نصَّب شخصًا لخلافته خشية أن يأتي من ينقلب على ما أرساه من قواعد وقرارات تنظيمية!
كما يرفض الشباب اختيار صلاح عبد الحق في منصبه الجديد كونه تعدّى الثمانين من عمره، فضلا عن كونه ينتمي لمدرسة عقيمة في التفكير لا تُناسب مستحدثات الواقع، فالرجل كان متهمًا مع سيد قطب في محاولة الانقلاب على السلطة في مصر عام 1966، وينتمي إلى المدرسة التي أنتجت غالبية قيادات التنظيم على مدار أكثر من نصف قرن.
تأخر الإخوان كثيرًا في إعلان اسم القائم بعمل مرشد الإخوان -جبهة إبراهيم منير- ربما لأسباب ترتبط ببعض الترتيبات القانونية، التي تتعلق بالجبهة الأخرى -جبهة محمود حسين- ويُضاف لهذه الترتيبات أيضًا أن هناك حركة تمرد داخل الإخوان من قبل الشباب ضد اختيار المُسنّ صلاح عبد الحق!
وقد حاولت الجماعة تهيئة صف الإخوان لهذا الاختيار عبر إقناع قطاعات الشباب داخل التنظيم، ورغم أنها بذلت جهودًا في هذا السياق ووجهت بعاصفة رفض، ما يرجح حدوث انشقاق جديد داخلها، ولكن هذا الانشقاق سوف يحدث داخل جبهة إبراهيم منير، وليس داخل التنظيم بين الجبهتين الكبيرتين، وهو ما نعده انشقاقا على الانشقاق الحادث.
لا تؤمن جماعة الإخوان الإرهابية بطاقة الشباب، كما لا تؤمن أيضًا بقيمة المرأة، ولعلها ترى أن وجود هؤلاء الشباب داخل الهياكل التنظيمية للجماعة بمثابة خطر كبير عليها، فتم إقصاؤهم من أي مناصب، رغم أنهم يمثلون القوة الضاربة للتنظيم.
التنظيم يُحاول تحييد الشباب وعدم الدخول معهم في خلافات، لكنه يقمعه في حال التمرد، ثم يقوم بتأسيس مجموعات شبابية محافظة مهمتها مواجهة مجموعات الشباب الأخرى، التي تتطلع إلى دور لها داخل الهياكل التنظيمية حتى تبدو أن المعركة أو الخلاف، في حال حدوثه، بين الشباب وبعضهم، وليس بين التنظيم والقطاع الكبير من الشباب.
هؤلاء الشباب كما كانوا نواة نشأة التنظيم وقوته، فإنهم نواة هدمه أيضًا، ولعل تعيين قائم بأعمال مرشد الإخوان وفق وصيّة، وهو في الثمانين، يكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر التنظيم، ولكن القشة هنا سوف تكون من داخل التنظيم لا من خارجه، كما يبدو أن السقوط الأخير للتنظيم سوف يكون داخليًا، فالجبهات المنشقة داخل الجماعة سوف تنشق على نفسها مرة أخرى، وسوف يكون الشباب نواة الانشقاق الجديد.
لقد حاول الإخوان في الجبهات المنشقة تعيين بعض الشباب في مناصب كمتحدثين إعلاميين، وهذا من قبيل الوجاهة فقط، فمثل هذا المنصب لا يتمتع صاحبه بأي صلاحيات تنظيمية، وذلك كمحاولة لتأجيل الصدام المتوقع مع القطاع الكبير من الشباب.. وتأجيل الصدام هنا لا يعني أن النار ليست مشتعلة تحت الرماد، فوقود هذه النار هم شباب الإخوان.
وكورقة ضغط، استخدم تنظيم الإخوان المساعدات المادية لشباب الجماعة في الخارج، فمنع عنهم وعن أسرهم هذا الدعم، فضلا عن فصله بعض الشباب غير الموالين له، كما بدا ذلك واضحًا في منصات إعلامية تخضع لجبهة محمود حسين أو جبهة إبراهيم منير، حيث تجنّد كل جبهة العاملين في منصاتها ليكونوا تابعين لها في الصراع الدائر داخل الجماعة.
فصل الإخوان آلافا من شبابه لمجرد أنهم يختلفون سياسيًا مع التنظيم، لدرجة أن مرشد الجماعة، محمد بديع، فرض حصارًا على هؤلاء الشباب، وأصدر سابقا قرارًا بمنع أي عضو في الجماعة ينتمي لحزب سياسي بخلاف حزب “الحرية والعدالة”، الذي أنشأته الجماعة في مصر بعد عام 2011.. لقد كان المرشد يريد خلق مجتمع بديل لأعضاء الجماعة داخل التنظيم ففرض حصارًا حتى على اختياراتهم السياسية.
المُسنُّون وحدهم أصحاب القرار داخل الجماعة، فالإخوان تنظيم عجائز وكبار سن لا روح فيه وغير قادر على تجديد نفسه، بعدما أصابه الجمود والتكلس.. وهذا الصراع الحادث والقادم والمتجدد بين شباب التنظيم وشيوخه سوف يقضي على التنظيم وأعمدته الفكرية معًا.