الإخوان بين بيعة التنظيم وهجر الوطن
تُربي جماعة الإخوان الإرهابية أعضاءها على الانتماء للتنظيم وليس للوطن، فتخلق الجماعة لأعضائها أوطانًا بديلة تفصلهم من خلالها عن الوطن الأم، حتى تجد ولاء عضو الجماعة للتنظيم وليس للدولة التي نشأ على أرضها وأكل من خيراتها.
بوصلة الانتماء داخل أي عضو جديد ضمن هياكل الجماعة المتطرفة البيعة للتنظيم؛ فكما أنه مؤشر على أن هذا العضو سوف يصير له موقع داخل التنظيم هو مؤشر على التدرج فيه، وهنا يُربى الأعضاء على أنهم كلما كانوا أكثر ولاء للجماعة صعدوا في المناصب التنظيمية، وهذا لن يتحقق إلا إذا كان ولاؤهم للتنظيم دون الدولة.
تضع الجماعة الإرهابية لأعضائها أركانا للبيعة بدأتها بمدى قدرة العضو الجديد على فهمه للتنظيم ومن ثم إخلاصه للفكرة والعمل الدؤوب لها والتضحية من أجلها، ثم طاعة قادته في التنظيم وأن تقدم على طاعة ولي الأمر، لتختم هذه الأركان بالثقة بالقيادة وهو ما يستلزم الثبات على الطريق الذي رسمه التنظيم لأعضائه.
توجد لجان داخل هياكل التنظيم المتطرف، منها ما أطلق عليه لجنة البر والإحسان والزواج والتكافل وغيرها من اللجان العاملة، وظيفة هذه اللجان هو مساعدة أعضاء التنظيم الجدد والقدامى، وبالتالي خلق ولاءات بديلة بين الأعضاء وبين التنظيم وكسر ما تبقى من هذه المساحة بين هؤلاء الأعضاء والدولة، وحتى يتحقق ذلك يوفر التنظيم لأعضائه الزوجة ويتم الإنفاق عليهم إذا كانوا محتاجين لذلك “راتب شهري”.
طريقة الجماعة الإرهابية في التعامل مع أعضائها ربما يصعب معها أن يترك هؤلاء الأعضاء التنظيم، لأنهم مع الوقت يصير لهم التنظيم هو المظلة البديلة للدولة، بل يتم تحريض هؤلاء الأعضاء على الدولة حتى يصبحوا أعداء لها، فكلما كانوا أعداءً لأوطانهم تحددت علاقتهم ومدى قربهم من التنظيم.
مع الوقت ينسلخ العضو المستهدف من الدولة فيشبه السمك الذي ألف حياة البحر ولا يمكن الخروج منه؛ وهنا يجب العمل على تحطيم كل الأدوات التي تستخدمها الجماعات المتطرفة في استقطاب أعضائها الجدد أو العمل على زيادة الصلة بأعضائها القدامى أو ربما تكون أداتها لتحطيم ولاءات المواطنين ضد أوطانهم.
لا يمكن أن تتم بيعة العضو الجديد لتنظيمه إلا إذا خاصم وطنه؛ فالجماعة الإرهابية ترى أن العضو لا بد أن تكون له بيعه واحدة يكون فيها المرشد أو الأمير هو صاحب القرار وليس رئيس الدولة، بل لا بد من هجر هذا العضو للوطن، فلا تصح أي بيعة وصاحبها ما زال على صلة بوطنه الأم، وهنا يطمئن التنظيم إلى هذا الهجر عبر عدة اختبارات.
البيعة في عرف التنظيم هي طاعة المرشد في المكره والمنشط وهجر الوطن في نفس العرف هو التكالب عليه بهدف هدمه، فالتنظيم لا يمكنه أن يحقق مشروعه إلا على جثة هذا الوطن، فبقاء التنظيم مرهون بسقوط الوطن، وتحقيق السقوط هنا هدف يتم تدريب الأعضاء عليه.
نجح التنظيم على مدار تاريخ نشأته في خلق أجيال من الإخوان لا يسمعون ولا يطيعون إلا التنظيم، بل طمس من قاموسهم أي قيمة تدفعهم للنقاش أو التحاور، فقط بيعتهم لهذا التنظيم، ينفذون ما يُطلب منهم دون أي نقاش، فمع الوقت يشعر هؤلاء بأن التنظيم هو الوطن ولا يرون وطنًا سواه.
يُضاف لهذا الفهم الرديء أو لهذه اللوثة المتعمدة في تشويه ذهنية أعضاء الجماعة إضافة محتوى يدعو هؤلاء الأعضاء لاستخدام العنف في أي لحظة، وهنا جاءت رسالة التعاليم التي قام مرشد التنظيم مصطفى مشهور بتعميمها على كل أفراد التنظيم، والتي جاء فيها: “رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات”.
تحول الإخوان إلى تنظيم شبه عسكري على يد قادته الذين صبغوا الجماعة بصباغ العنف ومن قبلها عملوا على كسر أي رباط يجمع النّاس بأوطانهم، فنجحوا في تحقيق هدفهم في التآمر على الوطن وفي نفس الوقت نجحوا في خلق ولاءات لهؤلاء الأعضاء مع تنظيمهم فيما سمي “البيعة”.
مواجهة الإخوان واجبة لأنهم بلا بيعة لأوطانهم، بل بايعوا من هم ضد الوطن، لذلك الحوار معهم مستحيل وتغيرهم ضرب من الخيال، الرهان عليهم خاسر، الوطن أبقى منهم وهو معيار الحكم على أي تنظيمات سياسية، فهو أولى من هذه التنظيمات التي تقف أمامه وأمام مصالحه، بل هي مصدر الفوضى بداخله وأحد عوامل الهدم فيه.
فساد هذا التنظيم جاء من رؤيته المتقزمة للوطن، وتصوراتنا له جاءت من اعتزازنا بأوطاننا، ويُضاف لهذا وذاك أنه صاحب رؤية مشوشة للدين، أجندته هي هدم الدين والوطن معاً، كشف التنظيم واجب، كما أن مواجهته باتت واجبة تقرباً للأوطان التي تأن من وجود مثل هذه الخلايا السرطانية بداخلها، ولكن لا بد أن تكون المواجهة أشبه بالمواد الكيماوية القادرة على قتل كل ما يضر بجسد الوطن.
لا بد أن تتحول أركان البيعة الـ10 التي وضعها التنظيم لأعضائه إلى أركان الحب الـ10 للوطن، لا بد أن يكون أولها وأهمها مواجهة كل التنظيمات التي تعمل على هدم الوطن وخلق الفوضى بداخله، ومواجهة مشروع هذه التنظيمات لا بد أن يكون بمشروع مقابل يكشفه أولًا ثم يفككه بعد ذلك.
الوطن هو أغلى ما يملكه الإنسان، فلا قيمة بدونه ولا هدف يُرتجى في غيابة، لا بد أن يقرأ الواقع والمستقبل من خلاله، ويُحدد الأصدقاء والأعداء وفق قربهم وبعدهم منه، هذا ما يدفعنا إلى تكرار الكتابة عن تنظيمات الإسلام السياسي في العموم وحركة الإخوان الإرهابية على وجه الخصوص، ليس خصومة لهذه التيارات، وإن كانت كذلك، ولكنها أكثر حباً لأوطاننا الغالية.