حراك دبلوماسي نشط لتسوية ملفات العلاقات العربية
زادت وتيرة التحركات السياسية والدبلوماسية في الشرق الأوسط، بعد الاتفاق الذي تم برعاية الصين وأعاد الحياة للعلاقات السعودية الإيرانية، وفتح الباب أمام تسوية ملفات أخرى بالمنطقة، على رأسها الملفان السوري واليمني.
وبعد نحو الـ10 سنوات من القطيعة بين البلدين وتمهيد إعلامي كبير، خرج بيان سعودي أكد التكهنات والتسريبات التي تحدثت عن استئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية السورية، من بابها القنصلي.
ونقل التلفزيون السعودي الرسمي، الخميس، عن مصادر في وزارة الخارجية السعودية تأكيدها على أن “الرياض تجري محادثات مع سوريا لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية”.
وبحسب المصدر فإنه “في إطار حرص السعودية على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في الرياض ونظرائهم في دمشق حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”.
القرار السعودي جاء بعد زيارة قام بها مسؤول سوري لم تكشف هويته للرياض بحث خلالها، وفقاً لـ”رويترز”، إعادة فتح السفارات بين البلدين.
وقالت مصادر متقاطعة إن “المسؤول السوري مكث أياما في الرياض وأجرى مباحثات معمقة تناولت مختلف القضايا بين الجانبين”.
ورغم إشارة جميع المصادر إلى أن “المسؤول السوري هو شخصية أمنية وتحديدا مدير المخابرات العامة السورية اللواء حسام لوقا”، غير أن مصادر بينت أن “مسؤولاً سياسياً سوريا زار السعودية أيضاً مؤخرا، وهو شخصية سياسية دبلوماسية كلفت بمتابعة هذا الملف”.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية
عودة العلاقات السعودية السورية ستكون بحسب مراقبين التطور الأهم على طريق عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد الخطوة الإماراتية التي بدأت عام 2018 بفتح سفارة الإمارات في دمشق وما تبعها من خطوات إماراتية كبيرة توجت بزيارات رسمية بين مسؤولي البلدين.
كان آخرها الزيارة الرسمية للرئيس بشار الأسد لدولة الإمارات في 19 مارس/آذار الماضي وقبلها بعام في التوقيت نفسه، والتي حضر فيها عنوان “العلاقات العربية العربية” كأحد العناوين الرئيسية في هذه المباحثات.
لكن استعادة العلاقات السورية السعودية لم يكن بطبيعة الحال وليدة اللحظة، حيث سبقته خطوات عملية، بدأتها روسيا عام 2015 التي دخلت على خط الوساطة.
وتداولت وسائل الإعلام وقتها لقاء جرى ترتيبه في جدة بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، ومسؤولين سعوديين، دون أن تخرج أي بيانات رسمية عن الجانبين تؤكد أو تنفي هذه التقارير.
المحاولات الروسية لإعادة الزخم للعلاقات بين الدول العربية وسوريا لم تتوقف، وصرح المسؤولون الروس عن هذه المحاولات ورغبتهم في عودة سورية للجامعة العربية، لكن هذه المحاولات بقيت حبيسة الغرف الدبلوماسية دون إحراز أي تقدم يستدعي الإعلان عنه رسميا.
وظلت العلاقات السعودية السورية تسير بخطى بطيئة مهدت لها زيارات رسمية لوزراء ومسؤولين سوريين شاركوا بمؤتمرات أقيمت في السعودية وسعى كلا الجانبين لإبعاد الصبغة السياسية عنها.
جهود الإمارات نحو سوريا
بالمقابل بدا أن دولاً عربية وعلى رأسها دولة الإمارات وسلطنة عمان تسعى وبصورة جدية لعودة العلاقات العريية إلى سابق عهدها، حيث حضر العنوان العربي في جميع اللقاءات الرسمية بين المسؤولين الإماراتيين والسوريين.
وكتب الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات على “تويتر”، بعد اختتام الرئيس السوري بشار الأسد زيارته الرسمية لدولة الإمارات ولقائه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، إن “موقف الإمارات واضح بشأن ضرورة عودة سوريا إلى محيطها عبر تفعيل الدور العربي، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خلال استقباله اليوم الرئيس بشار الأسد”.
وتابع: “يكفي عقد ونيف من الحرب والعنف والدمار وحان الوقت لتعزيز تعاون وتعاضد دولنا العربية لضمان استقرار وازدهار المنطقة”.
وأكد أنّ “نهج دولة الإمارات وجهودها نحو سوريا الشقيقة جزء من رؤية أعمق ومقاربة أوسع هدفها تعزيز الاستقرار العربي والإقليمي وتجاوز سنوات صعبة من المواجهة”.
وتابع: “أثبتت الأحداث المرتبطة بعقد الفوضى وتداعياتها أن عالمنا العربي أولى بالتصدي لقضاياه وأزماته بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية”.
تصريحات متبادلة
وكشفت التصريحات الرسمية السورية والسعودية المتتالية مؤخرا عن فتح باب الحوار بين الجانبين السوري والسعودي.
وأكد الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع وسائل إعلام روسية أن “الاتفاق الإيراني السعودي مفاجأة رائعة، وأن ذلك سينعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام، وبأن هذا الاتفاق سيؤثر بالتأكيد على سوريا”.
ولفت إلى أن “السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفا تجاه دمشق منذ سنوات، ولم تتدخل في شؤون سوريا الداخلية كما أنها لم تدعم أيا من الفصائل”.
هذه التصريحات التي لاقتها السعودية عبر وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، الذي اعتبر أن “زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات”.
مرحلة جديدة
اللافت في البيان الرسمي السعودي هو إشارته إلى عودة الخدمات القنصلية بين دمشق والرياض ولم يشر إلى إعادة فتح السفارات، الأمر الذي ربطه المحلل والباحث السياسي السوري كمال جفا بخارطة طريق جرى البحث فيها خلال الجولات المكوكية التي قام بها وفد أمني سوري رفيع المستوى للسعودية.
وتابع: “جرى خلال تلك الجولات إقرار خارطة طريق ستؤدي لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين تدريجيا على أسس سليمة ومتينة”.
الدكتور جفا، والمطلع عن قرب على بعض تفاصيل المباحثات السورية السعودية، كشف أن “هذه الجولات شهدت في بعض الأحيان تسارعا وأحيانا كانت بطيئة، وارتبطت بما يجري من مفاوضات أو وساطة صينية بين الرياض وطهران”.
إيران واليمن ولبنان
وتابع “بالتالي بعد توقيع الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران بتنا أمام مرحلة جديدة في إعادة تسريع عودة العلاقات بين السعودية وسوريا، سيرتبط بعدة ملفات إقليمية بينها ملف الانتخابات اللبنانية كما سينعكس بشكل إيجابي ومتسارع على الملف اليمني”.
جفا لفت، إلى أنه “وعلى مدى السنوات السابقة ارتبطت العلاقات السورية السعودية بملفات عديدة، منها ملف اليمن والملف الإيراني وملف ما يحدث في لبنان من صراع داخلي ما بين أجنحة الحكم والأحزاب اللبنانية المرتبطة بدول إقليمية لها تأثير في إدارة الملفات الداخلية اللبنانية أو إدارة مؤسسات الحكم”.
واعتبر جفا أن “ما تم الإعلان عنه فيما يتعلق بعودة العلاقات بين الرياض ودمشق، حتى لو كانت العلاقات قنصلية، سيتبعه تدريجيا وحكما عودة أكبر وتوسع في عدة مجالات”.
وتابع: “السعودية تربط بين عودة العلاقات مع سوريا وإيجاد آليات للحل وعدة طروحات، وربما يكون هناك مفاجآت في هذا الإطار بما يتعلق بتأسيس مجموعات عمل يتم من خلالها إعادة الحل التدريجي للقضية السورية”.
المحلل السياسي السوري اعتبر أن “السعودية تنتظر بعض المواقف والحلول لتفكيك العقدة السورية، وتحاول الخروج بحلول ترضي جميع الأطراف لكن تربطها ببعض المطالب السياسية في سوريا”.
واستطرد: “نحن نتجه لإعادة العلاقات الطبيعية تدريجيا والعمل عليها مع الجانب السوري، ولن يكون هناك المزيد من التوتر بين سوريا والسعودية، لأن ملفات المنطقة مترابطة وسوريا جزء من هذه الملفات”.
وبين أن “عودة العلاقات الإيرانية السعودية، واتفاقية التعاون الاستراتيجي المزمع التوقيع عليها مستقبلا بين السعودية وإيران، والمزيد من الانفتاح على روسيا سيكون لها انعكاس كامل على الملف السوري.
سوريا.. صمت بانتظار النتائج
اللافت حتى اللحظة وأمام كل هذه المعطيات هو غياب التصريحات الرسمية السورية حول استئناف العلاقات القنصلية مع السعودية.
الأمر الذي يربطه المحلل السياسي السوري غسان يوسف في حديثه لـ”العين الإخبارية”، بـ”طبيعة السياسة السورية التي تربط بين الإعلان عن أي تحرك وبين الوصول إلى نتائج حقيقية على الأرض”.
ويعتبر يوسف أنه “عندما يكون هناك اتفاق كامل بين البلدين سيتم الإعلان الرسمي السوري عنه”، مشيرا إلى أنه “ما يؤكد هذه السياسة هو كيفية التعامل مع ملف إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا واجتماعات اللجنة الرباعية”.
ويعتقد يوسف، أن “هذا الأسلوب يمكن اعتباره صحيحا بمكان ما لأن دمشق تريد أن يكون هناك حقائق على الأرض، أما أن تتكلم عن شيء لم يحدث بعد فهذا ليس من طبيعة السياسة السورية”.
وأضاف “أعتقد أن الاتفاق السعودي السوري حدث بالفعل، دون أن ننسى أن علاقات البلدين الأمنية لم تنقطع وظلت قائمة طيلة الفترة الماضية”.
وبحسب يوسف فإن “تظهير العلاقات بين البلدين بشكل معلن سيتم بعد شهر رمضان، ولذلك اليوم الكل ينتظر الإعلان الرسمي عن عودة العلاقات بين البلدين”.
ولفت إلى أن “عدم تأكيد دمشق لا يعني أنه لم يحدث أو أنه ليس واقعا، لأن السعودية لم تكن لتتحدث عن هذا الأمر لو لم يكن موجودا”.