هروب فلول نظام البشير يخلط أوراق البرهان في السودان
تسبب فرار عدد من رموز وقيادات النظام السوداني المعزول برفقة متطرفين ومجرمين آخرين في إرباك أوراق الجنرال عبد الفتاح البرهان وداعميه في الداخل والخارج باعتباره كان ينظر إليه كرمز للمؤسسة العسكرية المنضبطة والمسؤولة عن الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها، ولا علاقة له بفلول النظام السابق، وأن رواية الدعم السريع هي من قبيل الحرب النفسية.
وبدا الهروب الكبير من سجن كوبر لأحمد هارون وقيادات إخونجية أخرى رسالة تعزز مصداقية خطاب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي حذر قبل اندلاع القتال من وجود ضباط كبار في الجيش لا زالوا يدينون بالولاء لنظام البشير.
وحوى خطاب مسجل ألقاه هارون عقب فراره من سجن كوبر الكثير من المعاني التي تؤكد دعمه للجيش وإدانته لقوات الدعم السريع ووصفها بـ”المتمردة”، وأكد عزم المؤيدين للبشير على خوض المعركة إلى جانب الجيش، وقدرتهم على توفير الحماية لأنفسهم.
وزعم المؤيدون للبشير أن مغادرتهم لسجن كوبر (شمالي الخرطوم) كانت لـ”حماية أنفسهم بعد تدهور الأوضاع في السجن وانعدام الماء والخبز وانقطاع الكهرباء”.
وأدرك السودانيون بعد فرار قيادات النظام السابق أن مشكلتهم مع الجيش وأن البشير وجنرالاته موجودون وفاعلون ولا فرق بينهم سواء أكانوا مساجين أم سجانين.
إعلان سياسي أوّل
ويقول مراقبون إن خطاب أحمد هارون أشبه بإعلان سياسي أول ستتلوه بيانات أخرى، وجاء كإشارة إلى مشاركة الفلول في المعركة صراحة، والتخلي عن التدثر بأيّ غطاء سياسي وعسكري، فحدوث فوضى كاملة سوف يصب في مصلحة مناصري البشير، على أمل أن تعيدهم إلى الواجهة، والأخطر أن أسلحتهم التي احتفظوا بها وظلت خفية قد تظهر قريبا.
وكوّن نظام البشير ما سمّي بقوات الدفاع الشعبي لحمايته، وبقيت هذه القوات بعيدة عن الأعين، ولا أحد يعلم مكان عناصرها بالضبط، ولماذا لم يتم الإعلان عن تفكيكها تماما ومحاسبة عناصرها على ما ارتكبوه خلال عهد البشير، بل تركت حتى ذابت في المجتمع، ويمكن أن تلعب دورا في حماية قيادات النظام السابق الهاربة.
وقالت الشرطة السودانية إن مسلحين شبه عسكريين اقتحموا خمسة سجون في مطلع الأسبوع وقتلوا عدة حراس وفتحوا البوابات، بينما ألقت قوات الدعم السريع باللوم على السلطات في السماح لهارون وآخرين بالخروج.
ويضيف المراقبون أن تبادل الاتهامات بين الجانبين حول المتسبب في عملية الهروب يكشف إلى أيّ مدى وصل التخبط في صفوف الجيش، لأن تنصله من هروب قيادات خطرة عملت إلى جوار البشير بحجة أن وزارة الداخلية هي من تشرف على السجون لن يعفي قائده البرهان، والذي لا يزال رئيسا لمجلس السيادة، أي رئيس الدولة والمسؤول الفعلي عن تعيين الوزراء ومن بينهم وزير الداخلية.
العلاقة مع البرهان
ويثير فرار عدد من قيادات النظام السابق علامات استفهام كبيرة حول حقيقة العلاقة بينهم والجنرال البرهان، والذي درج على نفي أي علاقة بهم، ويدعم الهروب الكبير لهؤلاء صحة معلومات رددتها قوات الدعم السريع بشأن أن تحركها جاء لمنع حدوث انقلاب عسكري جديد يعيد فلول البشير إلى السلطة.
ووضعت عملية الهروب جهات خارجية متعاطفة مع البرهان في مأزق لأنها ناهضت سياسات حزب المؤتمر الوطني المنحل ولها مواقف صارمة منه ورافضة تماما لعودة جماعة الإخوان إلى السلطة في السودان، وبإقرار مناصري البشير صراحة دعم الجيش في هذه المعركة ستجد هذه الجهات نفسها في خندق واحد معهم.
كما أن القوى المدنية والشعبية ولجان المقاومة والثورة وحركات مسلحة بدت قريبة من الجيش باعتباره مظلة وطنية بعيدة عن الانحيازات الأيديولوجية والإسلامية ستكون مضطرة إلى مراجعة مواقفها منه، لأنها تتفق جميعها على عدم عودة فلول البشير بأيّ شكل، وهو ما يسحب من رصيد البرهان الذي تبنى خطابا جذابا مفاده أنه يحارب قوات “متمردة” أرادت خطف السلطة وهز الثقة في الجيش السوداني.
من أشعل الحرب
وقالت قوى الحرية والتغيير “هذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار”، وبدلا من أن تكون هذه القوى ذراعا سياسية تقود خطة مدعومة دوليا للانتقال إلى الحكم المدني تصبح في مهب الريح مع تعاظم دور فلول البشير.
وتسود فوضى عارمة في السودان في ظل وقف إطلاق نار هش أعلن عنه لمدة ثلاثة أيام تنتهي اليوم الخميس، وظهرت معالم الهشاشة في التسجيل الصوتي الذي بثه هارون.
وهارون كان مسجونا في سجن كوبر بالخرطوم، ومطلوب بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة في إقليم دارفور.
ووجهت الجنائية الدولية اتهامات إلى البشير ومساعديه على خلفية حرب دارفور التي تخللتها انتهاكات واسعة وتسبّبت بمقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون.
وزادت التكهنات حول مكان البشير وإمكانية فراره وعدد آخر من الرفاق في هذه الأجواء القاتمة، والتي يبدو فيها البرهان فقد السيطرة على الكثير من مؤسسات الدولة.
وأعلن الجيش في بيان له الأربعاء أن البشير محتجز في مستشفى تابع للقوات المسلحة نُقل إليه من السجن قبل اندلاع المعارك في الخامس عشر من أبريل، في إشارة إلى أنه مازال تحت سيطرة الجيش، والذي بدأت تتزايد الشكوك في إمكانية فراره أيضا إذا سنحت له الظروف وتمكنت فلوله من توفير دعم لوجستي له.
واستهدف الجيش بطائراته مواقع لقوات الدعم السريع في ضواحي الخرطوم، وهو ما ردّت عليه الأخيرة باستخدام أسلحة ثقيلة، وقامت بالسيطرة على مصفاة ومحطة كهرباء على بعد 70 كيلومترا شمال الخرطوم.
فوضى
وأدى إطلاق سراح فلول ومتطرفين ومجرمين مدانين إلى زيادة شعور المواطنين بغياب القانون، وأبلغ سكان في الخرطوم عن زيادة انعدام الأمن وانتشار أعمال النهب وظهور عصابات مسلحة في الشوارع.
ولم تفلح مبادرات الوساطة الإقليمية والدولية وجهودها في تحريك الموقف نحو الهدوء والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، الأمر الذي عبرت عنه كلمات الوفود خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت الثلاثاء، وجاءت في معظمها عامة.
وكشفت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء أنها تجري اتصالات مع شركاء إقليميين ودوليين لتشكيل لجنة مفاوضات بالسودان، في إطار جهود ترمي إلى تنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية، وتسهيل الترتيبات الإنسانية في السودان.