تونس: قرارت جديدة تستهدف تطهير وزارة الداخلية من تنظيم الإخونجية
بعد شهرين ونيف، من تعيين كمال الفقيه وزيراً للداخلية، خلفا لتوفيق شرف الدين، الذي استقال منتصف مارس/آذار الماضي، بدأت وزارة الداخلية التونسية باتخاذ قرارت جديدة هدفها تطهير الوزارة من بقايا تنظيم الإخونجية.
وبموجب القرارات الجديدة تم تعيين العميد حسين الغربي مديرا عاما آمرا للحرس (الدرك) الوطني خلفا للعميد فاضل قزقز.
وفيما أُعفي آمر مطار تونس قرطاج ناجي زيتون، تم إنهاء مهام مسؤولين بوزارة الداخلية.
ووفق العدد الأخير من الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، فإن من بين الأوامر واحد يتعلق بإنهاء مهام رئيس ديوان وزير الداخلية الطاهر بوسعادة وتعيين عبدالمجيد خلف الله خلفا له.
وأعاد الهجوم الذي استهدف معبد الغريبة اليهودي بجزيرة جربة التونسية الحديث عن اختراق وزارة الداخلية وضرورة حماية المؤسسة الأمنية من المخترقين.
رجال أمن متشددين
والهجوم نفذه أحد رجال الأمن من المتشددين دينيا خارج كنيس في جزيرة جربة خلال موسم الحج اليهودي قبل أن يُقتل بالرصاص.
وتُنظم الزيارة إلى المعبد سنوياً في اليوم الـ33 من عيد الفصح اليهودي، وهي في صميم تقاليد اليهود التونسيين الذين لا يزيد عددهم على 1500، ويعيش معظمهم في جزيرة جربة.
وفي 13 مايو/أيار الجاري، أي عقب الهجوم، طالب الرئيس التونسي قيس سعيد بضرورة تطهير الإدارات الحكومية من كل المندسين.
وقال حينها إن “الوزارات والمنشآت العمومية (الحكومية) وغيرها لا يمكن أن تقوم بوظيفتها وهناك من يعمل داخلها لصالح جهة معينة لا للمصلحة العامة، فالظل لن يستقيم إذا كان العود أعوج”
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن التعيينات الجديدة تهدف إلى إعطاء نفس جديد للقطاع الأمني كما تأتي كخطوة لتطهير وزارة الداخلية من براثن الإخونجية.
وهو ما أتى بالحديث عليه بلال الحسيني، النقابي الأمني التونسي المتقاعد، قائلا إن “وزارة الداخلية تم اختراقها منذ سنة 2011 من قبل إخونجية تونس الذين أرادوا منذ وصولهم للسلطة وضع أياديهم على الوزارات السيادية”.
وأضاف الحسيني: “انطلق الإخونجية في تكوين جهاز الأمن الموازي الذي كان تحت إشراف فتحي البلدي المستشار السابق بوزارة الداخلية الذي عينه وزير الداخلية الأسبق علي العرّيض وقام بتكوين شبكة علاقات مع كوادر أمنية متعدّدة داخل الوزارة”.
وأكد الرجل أن “فتحي البلدي (يقبع حاليا في السجن) هو رجل الظل الذي زرعته حركة النهضة الإخونجية سنة 2012 في وزارة الداخلية وكان يعمل على عملية انتداب الأمنيين تحت شرط الولاء للتنظيم الإخونجي”.
الحسيني لفت إلى أن “البلدي عمل في الوزارة مع على العريض، وهو الذي أشرف على عملية تهريب الإرهابي سيف الله بن حسين المكنى “أبو عياض” (المسؤول العسكري عن تنظيم أنصار الشريعة منفذ عملية اغتيال شكري بلعيد والبراهمي)” .
سقوط البلدي
ويرى الحسيني أن “سقوط البلدي قطع أذرع حركة النهضة داخل المؤسسة الأمنية التي عرفت كل أشكال الاختراقات منذ تولي الإخونجية الحكم أواخر عام 2011 لكن أنصارهم مازالوا متواجدين بالوزارة”.
ورافق البلدي أغلب وزراء الداخلية إلى حدود حكومة هشام المشيشي ، وقد شمله قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021.
والبلدي كان عون أمن قبل سنة 2011، وبعد التفطن لانتمائه للجهاز السري للحركة من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تمّ عزله والحكم عليه بالسجن لمدة أكثر من 15 سنة بتهمة الانتماء لتنظيم غير معترف به.
وفي 2011، تمت إعادة دمجه في وزارة الداخلية ومنحه كافة الامتيازات، وشغل منصب مستشار وزير الداخلية آنذاك علي العريض في حكومة حمادي الجبالي، ولم يفارقه حتى عند ترؤسه لحكومة الترويكا الثانية ولكن بصفة غير رسمية.
من جهة أخرى، قال الحسيني إن تعيين حسين الغربي في منصب مدير عام آمر الحرس الوطني هو “تكريم له لجهود بذلها في سبيل وطنه”.
مضيفا أن تعيينه هو “بمثابة إعطاء روح ونفس جديدين لسلك الحرس الوطني أمام المتغيرات التي حصلت في وزارة الداخلية أخيرا”.
وللإشارة، فإن العميد الغربي أشرف على الفرقة المتخصصة بمقاومة الإرهاب في أكثر من مناسبة قبل عام 2011 وبعده، وكان وراء مقتل لقمان أبوصخر ومراد الغرسلي (القياديين بحركة عقبة بن نافع المتشددة التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي).
مرحلة الاختراق
من جهة أخرى، قال الصحبي الصديق المحلل السياسي إن وزارة الداخلية التونسية تم اختراقها بعد 2011 عن طريق تعيين جماعة العفو التشريعي العام في مناصب متقدمة في الوزارة.
وأكد أن “العفو العام الذي تم إصداره في عام 2011 شمل بعض الأشخاص الذين حملوا السلاح ضد الدولة وتم دمجهم بالمؤسسة الأمنية، وهذا خطر حقيقي”.
وأوضح أن وزير الداخلية يعمل حاليا على تطهير وزارة الداخلية من الداخل وانطلق في حملة ستسفر عن تسريح عدد هام من الأمنيين والموظفين ممن زوروا أو باشروا العمل دون اختبار أو مستوى أكاديمي معترف به خلال فترة حكم الإخوان.
الجهاز السري
وترسم معلومات أفرجت عنها سلطات التحقيق التونسية خلال الأعوام الماضية طبيعة عمل الجهاز السري للإخونجية، الذي يضم جهازا استخباراتيا داخل الدولة يتألف من 21 ألف عنصر دُمجوا في الإدارة التونسية بمقتضى قانون العفو التشريعي العام، وأخذوا موقعا في وظائف حساسة.
وكانت النيابة التونسية قد أعلنت في 2019، فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة، واُتهم هذا الجهاز بضلوعه في اغتيال بلعيد والبراهمي.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021،وفي حركة شاملة، أقالت وزارة الداخلية، قيادات إدارات الحدود والأجانب والتكوين (التدريب)، إضافة إلى رؤساء مناطق وفرق ومراكز أمنية، فيما كانت السمة البارزة كثرة القيادات النسائية داخل التعيينات.
وتم عزل المدير العام السابق للحدود والأجانب لطفي الصغير، وتنصيب عماد الزغلامي خلفا له بعد شكاو عديدة بملف استخراج جوازات السفر للشباب التونسي للسفر إلى بؤر التوتر من أجل القتال إلى جانب منظمات إرهابية.
كما تم تعيين كل من عصام جويني مديرا لإدارة الشرطة العدلية، ومحمد دربال مديرا للمدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي، وأحلام الميموني مديرا عاما للمصالح المشتركة، ونجاة الجوادي مديرا للإدارة العامة للتكوين، وروضة بيوض مديرا لإدارة الأمن السياحي.
كذلك، تقرر إعفاء الأزهر لونقو مدير عام للمصالح المختصة بوزارة الداخلية، (المخابرات التونسية) في قضية التجسس والتخابر والتآمر على أمن الدولة.
وفي سبتمبر/أيلول 2013، أقر وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو بوجود أمن موازٍ داخل وزارته، متهما أشخاصاً يعملون بالوزارة بأنهم يدينون بولاء لجهات حزبية.
كما اتهم الأحزاب السياسية في البلاد بالسعي لإيجاد موطئ قدم لها في أجهزة وزارة الداخلية.
وقال الوزير في كلمة ألقاها آنذاك خلال جلسة مساءلة أمام المجلس الوطني التأسيسي (برلمان انتقالي): “هناك أشخاص داخل الوزارة يدينون بالولاء لهذا أو لذاك”.