انتخابات الرئاسة المصرية.. خطوة ضرورية ومركزية
منذ إعلان الجمهورية في مصر في 18 يونيو/حزيران 1953 وحتى عام 2005، ظل اختيار رئيس هذه الجمهورية عن طريق الاستفتاء العام للشعب على مرشح واحد، وهو ما نصت عليه الدساتير المتعاقبة.
وفي عام 2005 وبعد تعديل الدستور، ليصبح اختيار رئيس الجمهورية يتم عن طريق الانتخاب بين أكثر من مرشح، جرت في مصر أول انتخابات رئاسية في تاريخها.
ومنذ هذا الوقت، جرت في مصر 4 انتخابات رئاسية، أعوام 2012، و2014، و2018، وأخيراً الانتخابات التي انتهى اليوم الثالث والأخير للتصويت فيها، الثلاثاء، 12 ديسمبر/كانون الأول، والتي من المقرر أن تعلن نتائجها النهائية يوم الإثنين المقبل.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات الرئاسية في مصر بصفة خاصة من السياق السياسي المصري الداخلي، الذي شهد مراحل ومنعطفات كبيرة وخطيرة، منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أنهت حكم الرئيس حسني مبارك، ثم ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 التي أسقطت رئيس وحكم جماعة الإخوان.
فهذه الانتخابات تأتي بعد عام ونصف العام من انطلاق “الحوار الوطني” الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السياسي في أبريل/نيسان 2022، مشيراً إلى أنه تأخر عدة سنوات نظراً لتقدم أولويات القضاء على الإرهاب وإعادة بناء الدولة والبنية التحتية خلال تلك السنوات.
وخلال مسيرة الحوار الوطني، تغيرت كثير من ملامح المشهد السياسي المصري، فعادت معظم القوى والرموز التي تحالفت معاً في ثورة 30 يونيو/حزيران لإسقاط حكم الإخوان، للتحاور بعد سنوات من الخصومة والقطيعة، وعرفت الساحة السياسية أصواتاً معارضة متنوعة الألوان لم يكن وجودها محسوساً خلال السنوات المشار إليها.
وفي ظل هذا المناخ الداخلي المختلف عما جرت أثناءه الانتخابات الرئاسية عام 2018، بدا واضحاً أنها تعد خطوة رئيسية في مسار الدولة الجاد نحو التحول الديمقراطي والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية، بعد عام ونصف العام من حوار وطني جاد وغير مسبوق، شمل كل مكونات المجتمع المصري السياسية والنقابية والأهلية.
وقد تجلى هذا في تقدم 4 مرشحين لخوض الانتخابات، المستقل الوحيد فيهم هو رئيس الجمهورية الحالي، بينما تقدم ثلاثة رؤساء لأحزاب مصرية متمايزة الرؤية والفكر للترشح: حزب الوفد أعرق الأحزاب الليبرالية المصرية وأقدم الأحزاب في مصر على الإطلاق، وحزب الشعب الجمهوري ثاني أكبر الأحزاب المصرية تمثيلًا في مجلس النواب، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وهو من أبرز مؤسسي “الحركة المدنية الديمقراطية”، التي تُعد أكبر كتلة للأحزاب المعارضة في مصر.
وقد جرت مراحل هذه الانتخابات طوال الشهور السابقة وحتى إغلاق صناديق الاقتراع أمس، بصورة بدت متناسبة مع مرحلة التطور السياسي الجديد الذي بدأته مصر مع الحوار الوطني، بما فيه من إتاحة لظهور الأصوات المعارضة والمختلفة، حتى لو لم تكن مرتفعة وعالية بالشكل الذي يمكن الطموح إليه.
فبدرجة ملحوظة، أعطي المرشحون الحزبيون مساحات متساوية ومعقولة في المجال العام، خصوصاً في وسائل الإعلام المملوكة للدولة، لتوصيل دعايتهم ورؤاهم للناخبين المصريين.
كذلك، فقد جرت الانتخابات وفق القواعد الدستورية والقانونية التي استقرت في مصر بعد تعديلات الدستور عام 2014، والتي وضعت كامل العملية الانتخابية تحت الإشراف والتنفيذ القضائي الكامل، وهو ما جعل كل إجراءاتها ومراحلها محصنة أمام شبهة تدخل.
وأيضاً، راقب هذه العملية الانتخابية بأيامها الثلاثة مئات من الصحفيين الأجانب والمصريين، وآلاف من المتابعين الذي يمثلون عشرات المنظمات الأهلية المصرية والأجنبية وبعض المنظمات السياسية الإقليمية، ولم يصدر منهم سوى ملاحظات صغيرة لا تخل بسلامة إجراءات هذه العملية.
بهذه المواصفات العامة، تعد الانتخابات الرئاسية المصرية (2024)، خطوة ضرورية ومركزية في استكمال تشييد البنية السياسية المصرية القائمة على التعدد والديمقراطية والعمل الحزبي، وهو ما سينعكس بالتأكيد على كل الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية القادمة بعد عامين، وربما معها أو قبلها انتخابات المجالس الشعبية المحلية، بما يزيد من مساحات الحوار والتمثيل لكل القوى السياسية والنقابية والأهلية في مصر.