أمنستي تمتلك أدلة قيام إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة
تل أبيب "أطلقت الجحيم بوقاحة وبشكل مستمر وبإفلات تام من العقاب"
أكدت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، الخميس، أن لديها أدلة وافية تثبت أن إسرائيل ارتكبت ولا تزال “ترتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل”.
وقالت المنظمة، إن “بحوثها وجدت أدلّةً وافيةً تثبت أن إسرائيل قد ارتكبت، ولا تزال ترتكب، جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل”، وهو أول قرار من هذا القبيل من قبل منظمة حقوق إنسان دولية مرموقة بعد العدوان المستمر على غزة منذ 14 شهرًا.
وخلص تحقيق للمنظمة يفحص الأحداث في غزة بين أكتوبر/تشرين أول 2023 ويوليو/تموز 2024، والذي نُشر صباح اليوم الخميس، إلى أن إسرائيل “أطلقت الجحيم بوقاحة وبشكل مستمر وبإفلات تام من العقاب” على سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، مشيرًا إلى أن “الجرائم الفظيعة ضد الإسرائيليين من قبل حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (…) لا تبرر الإبادة الجماعية”، على حد وصف المنظمة.
وجاء في تقرير للمنظمة بعنوان “تشعر وكأنك دون البشر: الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة” أن إسرائيل “ارتكبت أفعالاً محظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي القتل، والتسبب في أضرار جسدية أو نفسية خطيرة، وفرض ظروف معيشية متعمدة على الفلسطينيين في غزة تهدف إلى تدميرهم الجسدي” “بقصد محدد لتدمير الفلسطينيين” في المنطقة.
عرقلة متعمّدة للمساعدات وإمدادات الطاقة
واستشهدت منظمة العفو الدولية بعرقلة متعمّدة للمساعدات وإمدادات الطاقة إلى جانب “الأضرار الهائلة والدمار والتشريد”، مما أدى إلى انهيار أنظمة المياه والصرف الصحي والغذاء والرعاية الصحية، فيما وصفته بأنه “نمط من السلوك” في سياق الاحتلال والحصار المفروض على غزة.
وهذه المرة الأولى التي تعلن فيها منظمة العفو الدولية عن توثيق جريمة الإبادة الجماعية أثناء صراع مستمر، وتستند إلى تقرير صدر في مارس/آذار الفائت عن المقرر الخاص للأمم المتحدة لفلسطين والذي خلص إلى أن “هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد” بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
وقالت أنييس كالامار مستشارة فريق منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “إن الفشل الذريع والمخزي للمجتمع الدولي لأكثر من عام في الضغط على إسرائيل لإنهاء فظائعها في غزة، من خلال تأخير الدعوات لوقف إطلاق النار أولاً ثم الاستمرار في نقل الأسلحة، هو وصمة عار على ضميرنا الجماعي”.
وأضافت: “يتعين على الحكومات أن تتوقف عن التظاهر بأنها عاجزة عن إنهاء هذه الإبادة الجماعية، والتي أصبحت ممكنة بفضل عقود من الإفلات من العقاب على انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. يتعين على الدول أن تتجاوز مجرد التعبير عن الأسف أو الانزعاج وأن تتخذ إجراءات دولية قوية ومستدامة، مهما كان الحكم بالإبادة الجماعية غير مريح بالنسبة لبعض حلفاء إسرائيل”.
مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت
وأشارت إلى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واصفة إياها بأنّها “تقدم أملاً حقيقياً في تحقيق العدالة التي طال انتظارها للضحايا”، إضافة لمطالبتها إسرائيل “بإظهار احترامها لقرار المحكمة ومبادئ القانون الدولي الشامل من خلال اعتقال وتسليم المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية”.
ودعت كالامار مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى النظر بشكل عاجل في “إضافة جريمة الإبادة الجماعية إلى قائمة الجرائم التي يحقق فيها”، كما دعت جميع الدول إلى “استخدام كل السبل القانونية لتقديم الجناة إلى العدالة”، مؤكدة أنه لا ينبغي “السماح لأحد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والبقاء دون عقاب”.
الحجم غير المسبوق
وجاء في التقرير المكون من 32 صفحة، مجموعة من الأدلة التي قدّمتها المنظمة وهي: الحجم غير المسبوق للهجوم العسكري، الذي تسبب في الموت والدمار بسرعة ومستوى لا مثيل لهما في أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين.
النية التدميرية، بعد النظر في واستبعاد حجج مثل التهور الإسرائيلي والتجاهل القاسي لحياة المدنيين في ملاحقة حماس؛ القتل والتسبب في أضرار جسدية أو نفسية خطيرة في هجمات مباشرة متكررة على المدنيين والبنية التحتية المدنية، أو الهجمات العشوائية المتعمدة؛ وفرض ظروف معيشية محسوبة لإحداث تدمير مادي، مثل تدمير البنية التحتية الطبية، وعرقلة المساعدات، والاستخدام المتكرر لأوامر الإخلاء التعسفية والشاملة لـ 90٪ من السكان إلى مناطق غير مناسبة.
وبخصوص الأسرى الإسرائيليين في غزة، دعت المنظمة إلى الإفراج غير المشروط عن المحتجزين المدنيين ومحاسبة “حماس والجماعات المسلحة الفلسطينية الأخرى المسؤولة عن الجرائم التي ارتكبت في السابع من أكتوبر”، على حد تعبيرها.
وجاء غي ختام التقرير أن منظمة العفو الدولية “تعترف بوجود مقاومة وتردد بين كثيرين في إيجاد نية إبادة جماعية عندما يتعلق الأمر بسلوك إسرائيل في غزة”، وهو ما “أعاق العدالة والمساءلة”. وتعترف منظمة العفو الدولية بأن تحديد الإبادة الجماعية في الصراع المسلح أمر معقد وصعب، بسبب الأهداف المتعددة التي قد توجد في وقت واحد. ومع ذلك، من الأهمية بمكان الاعتراف بالإبادة الجماعية، والإصرار على “أن الحرب لا يمكن أن تبررها أبدًا”.
100 تصريح غير إنساني من الحكومة الإسرائيلية
وقالت منظمة العفو الدولية ومقرّها الرئيسي في لندن، إن التقرير استند إلى العمل الميداني، والمقابلات مع 212 شخصًا، بما في ذلك الضحايا والشهود والعاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، وتحليل الأدلة البصرية والرقمية المكثفة، وأكثر من 100 تصريح من الحكومة الإسرائيلية والجهات العسكرية التي قالت إنها ترقى إلى “خطاب لا إنساني”. كما استخدمت أدلة الفيديو والصور لجنود يرتكبون جرائم حرب أو يحتفلون بها.
وأضافت المنظمة في تقريرها أن أفعال إسرائيل في غزة فُحصت “بشكل مجمل، مع الأخذ في الاعتبار تكرارها ووقوعها في وقت واحد، وتأثيرها الفوري وعواقبها التراكمية والمتبادلة التعزيز”.
وأضافت المنظمة أن النتائج جرى تبادلها “على نطاق واسع” في مناسبات متعددة مع السلطات الإسرائيلية، لكنها لم تلق أي ردود.
ومن المتوقع أن يثير التقرير غضبًا في الأوساط الإسرائيلية مع اتهامات بمعاداة السامية للمنظمة على غرار الاتهامات التي أدلى بها مسؤولين إسرائيليين في أكثر من مناسبة خلال السنة الأخيرة، مع كل نقد دولي يُوجّه لإسرائيل بسبب جرائمها، آخرها اتهام قرار المحكمة الجنائية الدولية على أنه معادٍ للسامية.
وفي عام 2022، انضمت منظمة العفو الدولية إلى هيومن رايتس ووتش ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية غير الحكومية في إصدار تقرير رئيسي يتهم إسرائيل بالفصل العنصري، كجزء من حركة متنامية لإعادة تعريف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتباره صراعًا من أجل المساواة في الحقوق وحق تقرير المصير وليس نزاعًا إقليميًا. ودعا الساسة الإسرائيليون إلى سحب التقرير في حينه، بزعم معاداته السامية، كما تعرض مكتب أمنستي في إسرائيل لتضييقات عديدة.