ماذا يحدث في سوريا وماذا بعد؟ من وجهة نظر العمليات المنهجية
ألكسندر نازاروف
ليست الكلمات أعلاه جديدة، وكان من الممكن سماعها قبل عشر سنوات، فالثورة السورية تنتصر على بلدها مرارا وتكرارا، وفي كل مرة تدمره أكثر فأكثر. ومن السذاجة الاعتقاد بأن الأحداث في سوريا هي نهاية العملية وليس بداية دورة جديدة من التدهور، الذي يشمل العالم كله ببساطة، وسوريا جزء منه.
من المنطقي إذن أن نسأل: هل تلك بداية أم نهاية أي عملية؟ عملية تبسيط بنية المجتمع.
إن الدولة التاريخية، المستقرة والطبيعية، تنشأ على يد قبيلة واحدة، تكبر وتتوسع حتى تصبح شعبا كبيرا، يحتاج لإدارة شؤونه ومعاشه بنية معقدة مثل الدولة. وتنمو هذه الدولة، ما يعقد هيكلها باستمرار، بما في ذلك تفاعلها مع القبائل والطوائف الأخرى. وإذا كانت تنمو من تلقاء نفسها، بشكل طبيعي، فحتى في عملية إضافة عناصر جديدة، تصطدم الدولة بعمليات تصادم المصالح والبحث عن حلول وسط، من أجل العثور على صيغة والحفاظ عليها لتضمن استقرار النتيجة، واستقرار المجتمع المعقد. ثم يتم تضمين هذه الصيغة في القانون الثقافي للأمة الرئيسية للدولة. هذه هي الطريقة التي تم بها إنشاء الشعوب التاريخية العظيمة، وهي ليست بالكثيرة، ربما 10 أو 20.
لكن معظم الدول القائمة اليوم، أنشئت على نحو مصطنع، نتيجة لإرادة خارجية أو نزوة تاريخية، ضمن حدود مصطنعة، بتركيبة مصطنعة، مع عدم قدرة النخب والشعوب الرئيسية في كثير من الأحيان على الحفاظ على هذه الدولة.
ولعل من الأمثلة البارزة على ذلك أوكرانيا، حيث تحولت الأقلية القومية السابقة داخل روسيا، الأوكرانيون، الذين لم تكن لديهم أي خبرة في بناء الدولة والميثاق الثقافي المطلوب، بما في ذلك التسامح تجاه الأقليات القومية، إلى العنف ضد الأقليات. ونتيجة لذلك، تم تدمير هذا البلد المصطنع.
المثال الآخر هو سوريا، ذات التركيبة العرقية والدينية الأكثر تعقيدا. علاوة على ذلك، كانت سوريا دولة فقيرة نسبيا. وفي ظل الظروف الصعبة، لا يمكن حكم مثل هذا البلد إلا بقدر أكبر أو أقل من العنف، لأن التناقضات كبيرة للغاية. وإلا فإن أول أزمة اقتصادية تواجه البلاد ستؤدي إلى انهيار الدولة وإلى الحرب الأهلية. وما حدث في واقع الأمر هو أن التحدي الاقتصادي فاق قدرة الحكومة على مواجهته.
وأي حكومة، بما في ذلك حكومة الأسد، وحكومة “هيئة تحرير الشام” المحتملة، وحتى الحكومة النظرية لـ “الدولة الإسلامية”، ستواجه نفس التحدي: فالعنف ضروري للحفاظ على بلد معقد بمر بظروف حرجة، وكذلك العنف ضد الأقليات وضد المعارضة. خلاف ذلك، سوف تتفكك البلاد إلى حالة القبائل المنفصلة، وسيتبع ذلك التطهير العرقي والتهجير الجماعي للشعوب، حتى تكتمل عميلة التبسيط وتشكيل مجتمع بسيط للغاية لكنه متجانس في بعض الأراضي. واستنادا إلى لغة واحدة ودين واحد، سيتم تدمير الباقي أو طرده، وإما انفصاله.
والتبسيط، في الوقت نفسه، هو عملية إيجابية تماما من وجهة نظر أن المجتمع سيحقق قدرا أكبر من الاستمرارية في الظروف الصعبة والاستقرار والقدرة على التطور في المستقبل، ربما خلال 300 عام، مع الحظ الشديد. لكن، بالنسبة للدول المصطنعة، وبالنسبة للأجيال التي لم يحالفها الحظ ولم تهنأ بنتائج تجربة التبسيط هذه، فإن هذه العملية ستكون دموية ومؤلمة للغاية.
وسيكون هذا المجتمع بدائيا (وهذا هو سر نجاح “داعش”: التبسيط هو شعارها الرسمي، “داعش” تجسد هذه العملية، وتدعو إلى دولة القبيلة البدوية في القرن السادس إلى السابع ميلادي). سيتم سحق هذا المجتمع واستعباده من قبل منافسين أكثر تعقيدا وقوة، أي شعوب أخرى. وفي حالة سوريا، ستعمل على تقسيمها كل من إسرائيل وتركيا والأكراد. أو سيتحدد مصيرها مرة أخرى من قبل القوى الدولية العظمى.
وهو أيضا ما سيحدث من خلال العنف.
بكلمة واحدة، تبدو الصيغة كما يلي:
إن المجتمع الكبير والمعقد وحده هو القادر على مقاومة التحديات الخارجية. وبغرض الحفاظ على مجتمع معقد أنشئ بشكل مصطنع، هناك حاجة إلى العنف. ومع أن التبسيط يزيل التناقضات الداخلية، إلا أنه يضعف المجتمع ويستمر بالعنف وسفك الدماء. والنتيجة هي مرة أخرى مجتمع معقد، لكنه مجتمع مختلف وغريب، يتم فيه إدراج السوريين كعنصر تابع.
في الواقع، أقول كل هذا فقط للتعبير عن فكرة واحدة بسيطة، وهي أن ما نراه ليس النهاية، بل بداية مذبحة دموية وانهيار للدولة السورية المستقلة. ويجب على من يسمون بالثوار، ممن يبتهجون بتدمير دولتهم في شوارع المدن السورية، أن يفهموا أنهم ببساطة يبدؤون دورة جديدة ثانية من التدهور الدموي، بعد اكتمال الدورة التي بدأت عام 2011.
بالطبع، لديهم فرصة لإنقاذ البلاد، ولكن للقيام بذلك يحتاجون إلى أن يصبحوا نسخة ثانية من الرئيس الأسد، ويتفوقوا عليه في الصلابة والعلمانية. لكن هذا لن يحدث… أو بالأحرى، يمكنهم التفوق عليه في الصلابة، أما في العلمانية، فذلك أمر مستبعد..
ومع ذلك، يتعين طرح البدائل لا مجرد النقد. فما هي هذه البدائل؟
لا يوجد سوى بديل واحد: التطور على المدى البعيد. هي عملية طويلة وبطيئة، لكنها سلمية لتحسين ما هو متاح، وهو ما سيستمر لفترة طويلة، على مدى عدة أجيال. عملية لن يرى نتائجها إلا أحفادنا. كما حدث مع النهضة الصينية خلال الخمسين سنة الماضية. هذه هي الطريقة الوحيدة، لكن الناس تفتقد الصبر.