حرب تتطلّب وحدة وطنية فلسطينية

داود كتاب

تشهد الضفة الغربية، بما فيها القدس، تصعيداً مقلقاً يستهدف اللاجئين الفلسطينيين، إذ يسعى الاحتلال إلى التضييق عليهم بشتى الوسائل. تتجلّى هذه الحرب في الاعتقالات والمداهمات العسكرية المتكرّرة لمخيّمات اللاجئين، خاصّة في مناطق شمال الضفة الغربية، بدأت في جنين، ثمّ في طولكرم ونابلس. ويبدو أن إسرائيل تطبّق “نموذج غزّة” هنا، إضافةً إلى ذلك، تواصل قوات الاحتلال تنفيذ حملات اعتقالٍ واسعة، تستهدف النشطاء والشباب الفلسطينيين، تحت ذرائع أمنية وسياسية متنوّعة.

وقد كثّف الاحتلال في الأسابيع الماضية وجوده في الضفة الغربية، وخاصّة بإعادة احتلال مخيّم جنين للاجئين، والاعتداءات المتكرّرة على طولكرم ومخيّمها (نور شمس)، في تصعيد يُذكّر بسياسات أرييل شارون في السبعينيّات، حين نشر الجرافات الضخمة لهدم المنازل، وتوسيع الطرق في المخيّمات المكتظّة ذات الشوارع الضيّقة.

وفي ظلّ هذا التصعيد، تبرز العوامل السياسية الداخلية الإسرائيلية دافعاً أساساً وراء استمرار العدوان على الضفة الغربية. فقد كشفت تقارير إعلامية وجود اتّفاق ضمني بين وزير المالية الإسرائيلي اليميني (المتطرّف) بتسلئيل سموتريتش، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ وافق سموتريتش على الاستمرار في دعم الحكومة في مقابل تصعيد العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

ويأتي هذا الاتفاق في سياق تنافس القوى اليمينية داخل الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ سياسات أكثر تطرّفاً تجاه الفلسطينيين، ما يجعل الضفة الغربية ساحةً مفتوحةً للمزايدات السياسية على حساب حياة المدنيين.

هذا التصعيد السياسي العسكري يفاقم الأزمة الإنسانية في الأراضي المحتلّة، فتواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أزمةً غير مسبوقة، تهدّد قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين. وتتعرّض الوكالة الأممية لضغوط غير مسبوقة منذ تأسيسها، بعد قرار الكنيست الإسرائيلي إغلاق مقرّ رئاستها في حيّ الشيخ جرّاح في القدس، ومنعها من أيّ تواصل أو عمل داخل حدود القدس، حيث مخيّم شعفاط، وحيث توفّر الوكالة خدمات تعليمية وصحّية لأكثر من 16 ألف لاجئ فلسطيني ضمن حدود القدس.

تعمل إسرائيل منذ سنوات لإنهاء دور “أونروا”، بهدف خبيث، معتقدة أنه في غياب “أونروا” ستنتهي مطالبات الشعب الفلسطيني بحقّ العودة المكفول بقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. وفي هذا المضمار، فإن التيّارات اليمينية المتطرّفة تروّج فكرةَ توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم الحالية، أو استيعابهم في دول مجاورة، كما يرغب الرئيس الأميركي اليميني الجديد، بدلاً من المطالبة بحقّ العودة.

تتزامن هذه المحاولات أيضاً مع الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تُمارَس على الدول المانحة لتقليص دعمها للوكالة، ما يهدّد بحرمان مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين من حقّهم في التعليم، ويجعل آلاف العائلات عرضةً للفقر والجوع. الأزمة المالية التي تواجهها “أونروا” تزداد تعقيداً في ظلّ استمرار العمليات العسكرية والتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، ما يفرض تحدّيات إضافية على قدرة الوكالة على تقديم المساعدات الطارئة للمتضرّرين من العدوان.

وقد عبّرت مؤسّسات حقوقية دولية عديدة عن دعمها الموقفين الفلسطيني والعربي في رفض محاولة التوطين أو نقل اللاجئين من وطنهم تحت حجج واهية مثل تزايد عدد السكّان في غزّة، في حين أن اللاجئين مستعدّون لترك مخيّماتهم، والعودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي احتلّها الصهاينة.

ولا تقتصر معاناة اللاجئين الفلسطينيين على القمع العسكري، بل تشمل أيضاً سياسات ممنهجة لهدم المنازل، خاصّة في القدس والمناطق المصنّفة (ج) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. بحجّة عدم الترخيص، تهدم منازل الفلسطينيين في محاولة لتهجيرهم قسراً، في الوقت الذي تستمرّ فيه الحكومة الإسرائيلية في توسيع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية.

زادت هذه الإجراءات بشكل مفرط في الضفة الغربية نتيجة استمرار قانون حالة الحرب الإسرائيلية، التي بدأت في إثر “طوفان الأقصى”، وتستمرّ في الوقت الذي ينشغل العالم بعمليات تبادل الأسرى وعودة اللاجئين من الجنوب إلى الشمال في غزّة، ومحاولة تجاوز قرارات وتصريحات إدارة ترامب، على أمل أن يتحقّق الحلم الصهيوني في تجاوز إقامة دولة فلسطينية مستقلّة في غزّة والضفة الغربية، بما فيها القدس.

لم يعد الأمر مقتصراً على الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وخاصّة في غزّة، بل يتطلّب موقفاً عربياً ودولياً موحّداً لرفض الإجراءات القمعية الإسرائيلية كافّة، وتأكيد ضرورة العودة إلى التفاوض حول إنهاء احتلال عام 1967، وضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة. ورغم أن هناك إرادة دولية كبيرة لدعم الحقوق الفلسطينية، إلا أنه من الضروري إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتوحيد الرؤية حول الهدف والوسيلة التي يمكن أن تتّفق عليها التيّارات والفصائل الفلسطينية كافّة، وتضمن إنهاء الاحتلال وتحقيق حقّ تقرير المصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى