الحالة الفلسطينية وغياب العقد الاجتماعي

محسن أبو رمضان

يعتبر العقد الاجتماعي أي الدستور المتوافق عليه بين المواطنين الأحرار والدولة التي ينتخب حزبها الحاكم عبر صندوق الاقتراعـ  أحد إنجازات البشرية التي نظمت العلاقات على أسس من التوافق العام وبصورة تضمن الحقوق والواجبات .

وإذا كان العقد الاجتماعي يتم اعتماده في إطار الدولة وضمن مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة، حيث أنه وضع نهاية لحرب الجميع ضد الجميع، وعمل على صيانة المجتمع والحفاظ على السلم بين مكوناته، فإنه من الممكن تطبيق هذا المفهوم على حالة حركات التحرر الوطني.

يعني العقد الاجتماعي بحالة حركات التحرر الوطني توافق الأحزاب والفصائل ذات المشارب الفكرية والسياسية المختلفة على برنامج سياسي يشكل الحد الأدنى المتوافق عليه، كما يعني وجود آلية لضبط الخلافات أو التباينات الداخلية بصورة مؤسساتية بحيث يتم الحفاظ على جدلية الاختلاف في ظل الوحدة .

الوحدة هنا تعني الجبهة الوطنية العريضة التي تمثل جميع القوى والفصائل والفاعليات التي ينضوي الجميع في بنيانها.

منظمة التحرير بالحالة الفلسطينية هي التي تمثل الجبهة الوطنية العريضة التي يجب أن ينضوي الجميع في مكوناتها .

إن انتظام اجتماعات مؤسساتها وإدارة الخلافات بها بصورة ديمقراطية وعبر الحوار هي  السمة التي كانت تسم العلاقات الداخلية في إطار المنظمة.

واذا كان اقتراب حماس من برنامج المنظمة عبر دستورها المعدل بالعام 2017 قد وفر شرط الالتقاء على برنامج سياسي مشترك، وإذا كانت الحوارات الوطنية وآخرها إعلان بكين قد أكدت على أهمية الشراكة السياسية في إطار المنظمة، فإننا أصبحنا أمام مربعات مشتركة تتطلب إدماج الجميع في مكونات المنظمة، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد بحيث يتم قطع الطريق على أية محاولات أخرى قد تفسر بأنها ترمي لخلق بديل عن المنظمة .

إن الوضع الراهن حساس وخطير، حيث نمر في تحد وجودي عنوانه مقاومة التهجير والتطهير العرقي وتنفيذ خطة الحسم وتصفية القضية، الأمر الذي يتطلب العمل الفوري لترتيب البيت الداخلي وفق العقد الاجتماعي الذي جرى التوافق عليه في بكين بين فصائل العمل الوطني والإسلامي.

أعتقد أن غياب العقد الاجتماعي أو عدم ترجمته سيؤدي إلى خلق فراغ، الأمر الذي سيفتح المجال لمزيد من التدخلات الإقليمية والدولية بالساحة الفلسطينية.

لقد بات جليا أن السياسة الانتظارية غير مفيدة، وأن الرهان على تغيرات بالإدارة الأمريكية غير مفيد بعد اتضاح مخططات ترامب المبنية على الترحيل والضم .

كما أن الرهان على قوى إقليمية داعمة ومساندة لم تذكه الحياة السياسية في ظل حرص دول الإقليم على أمنها وحدودها ومصالحها الجيوسياسية.

وقد بات جليا أن محاولات البحث عن بديل عن المنظمة قد فشلت أيضا باعتراف الأخ خالد مشعل الرئيس السابق لحركة حماس .

وعليه فمن المهم أن تبادر القيادة الفلسطينية بهذا الظرف الحساس لعقد اجتماع فوري للأمناء العامين لتنفيذ إعلان بكين بهدف ترتيب البيت الداخلي والإعلان عن رفض مشروع التهجير وتحصين ذلك بالموقف العربي والدولي المتضامن مع حقوق شعبنا.

يجب أن يعقب اجتماع الأمناء العامين اجتماع موسع للمجلس المركزي بمشاركة الكل الوطني دون استثناء، ليجدد الإعلان عن دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو/ حزيران للعام 67 ومطالبة العالم بإنهاء الاحتلال عنها وذلك وفق القرار 19/67.

علينا أن نستثمر الزخم الدولي باعتراف أكثر من 140 دولة بدولة فلسطين، والمعزز بقرار محكمة العدل الدولية الاستشاري .

والعمل على تحويله إلى برلمان دولة فلسطين المؤقت، ريثما تتوفر الظروف لإجراء الانتخابات العامة والعمل على صياغة دستور للدولة وتحويل مؤسسات السلطة إلى مؤسسات الدولة بوصف ذلك يشكل أحد المسارات المؤسسة الرامية لإفشال مخططات الضم والتهجير .

إن المدخل الحاسم لإفشال المؤامرات المعادية لحقوق شعبنا تكمن في الالتزام بعقد اجتماعي مبني على التوافق والشراكة.. فهل نستطيع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى