روسيا تدعو لتطبيع الوضع في سوريا بشكل عاجل

مصادر حقوقية توثّق مقتل مئات المدنيين في "المجازر الطائفية" خلال الأيام الماضية

قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن مظاهر العنف في سوريا تثير قلق روسيا، ويجب النظر في هذه القضية بشكل عاجل، بما في ذلك في الأمم المتحدة، لتطبيع الوضع، فيما وثّقت مصادر حقوقية مقتل 1420 مدنيا، جراء عمليات إعدام ميدانية نفذها مسلحون مجهولون وآخرون يتبعون حكام سوريا الجدد.

وعن الوضع في سوريا قال بيسكوف، ردا على سؤال من الصحافيين: إن “هناك مظاهر عنف لا يمكن إلا أن تثير قلقنا العميق، وهذا القلق مشترك في العديد من دول العالم، والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة”.

وأضاف بيسكوف، “نعتقد أنه من الضروري النظر في هذه القضية، والأهم من ذلك، ضمان القضاء على مظاهر العنف هذه في أقرب وقت ممكن”.

في محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا، اندلعت اشتباكات عنيفة، في 6 مارس/آذار، بين قوات حكام سوريا الجدد والجماعات المسلحة المعارضة من أنصار بشار الأسد في دمشق.

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، قُتل 830 مدنيًا من الطائفة العلوية في الأيام الأخيرة في الساحل السوري.

بدأت تبعات وحجم المجازر التي شهدتها منطقة الساحل السوري، بعد 3 أيام من بدايتها، بالظهور على أرض الواقع، نتيجة الأحداث الأمنية التي شهدتها المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية.

توثيق مقتل 1420 مدنيا

بدوره، قال الناشط الحقوقي، علاء محمد، أنه “رغم الإمكانيات المحدودة وصعوبة التواصل مع أهالي عدة قرى في منطقة الساحل السوري، تمكنا من توثيق مقتل 1420 مدنيا، جراء عمليات إعدام ميدانية نفذها مسلحون مجهولون، وذلك أثناء العمليات العسكرية التي قامت بها الحكومة السورية المؤقتة في المنطقة”.

يوجد بين الضحايا 113 طفلا تتراوح أعمارهم من عام واحد حتى 16 عاما، بالإضافة إلى 260 سيدة قتلوا جميعاً بإطلاق نار مباشر وهم داخل منازلهم، في قرى بانياس بريف طرطوس وعدة قرى في ريف اللاذقية.

وكشف محمد أن هذه الأرقام مرشحة للزيادة، وذلك بسبب انقطاع شبكة الاتصالات مع عدة قرى وبلدات، وعدم قدرتنا على الوصول إلى تلك القرى نتيجة الأوضاع الأمنية الحالية، فهنالك قرى صغيرة مكونة من 20 إلى 40 منزلا لا نعرف مصير سكانها إلى حد اللحظة، بالإضافة إلى انتشار الجثث بأعداد كبيرة في الأحراش الزراعية وعلى الطرقات دون التعرف عليها.

وأضاف محمد: “بعثة من الأمم المتحدة دخلت مساء يوم أمس الأحد، إلى مدينة جبلة بريف اللاذقية برفقة عناصر أمنية تتبع للحكومة المؤقتة، وأجرت لقاءات واستمعت إلى شهادات الأهالي في المدينة حول تلك المجازر، التي شهدتها المنطقة خلال الأيام الثلاثة الماضية، حيث من المقرر أن تعود خلال الساعات القادمة، لتزور باقي القرى والبلدات في الساحل السوري وريف حماة الغربي”.

وتابع محمد أن “عمليات التوثيق التي قاموا بها، اعتمدت على فيديوهات وصور توثق تلك المجازر، معززة بشهادة بعض السكان، تم العمل على إرسال نسخة منها إلى عدة منظمات إنسانية حول العالم، وذلك للقيام بأي إجراء يؤدي إلى وقف تلك المجازر المستمرة منذ 3 أيام”، على حد تعبيره.

إحراق وسرقة عشرات المنازل وسرقة ممتلكاتها

وأكد محمد أن “الأوضاع الإنسانية في عشرات القرى بالساحل السوري سيئة جدا، وذلك بسبب سرقة مجهولين للمحال التجارية والغذائية وإحراق عشرات المنازل وسرقة ممتلكاتها، وسط غياب كامل للخدمات في تلك القرى، حيث يمكن اعتبارها منكوبة وبحاجة قوافل مساعدات غذائية مستعجلة لإنقاذ أهالي تلك القرى، والتي معظم سكانها من النساء والأطفال”.

مصرع عناصر أمنية

من جهتها، أفادت السلطات الأمنية التابعة لأبو محمد الجولاني، أن 231 عنصرًا أمنيًا قتلوا في اشتباكات مع مجموعات مسلحة معارضة للسلطات الجديدة في المحافظات الساحلية هذه الأيام.

وفي 9 مارس، طلبت روسيا والولايات المتحدة، إجراء مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في سوريا.

وأدان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، مقتل المدنيين في سوريا، ودعا إلى إجراء تحقيق في عمليات إعدام المدنيين وتقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة.

تراكم طويل من غياب الرقابة المؤسسية

ويرى مراقبون إلى أن هذه “المجازر” تأتي في سياق التوترات المستمرة بين القوى الأمنية والفصائل المسلحة، لكن التحليلات تختلف حول طبيعة المسؤولية السياسية والعسكرية، وتأثيراتها على الوضع الأمني في البلاد.

في هذا السياق، يرى الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن سمير التقي، أن هذه الأحداث تعكس مشكلة أعمق تتعلق بعلاقة الإدارة السورية الجديدة بأجهزتها الأمنية والعسكرية، مشيرا إلى أن استمرار الحلول الأمنية من دون إصلاح حقيقي قد يؤدي إلى مزيد من الأزمات.

ويؤكد التقي أن ما شهده الساحل السوري ليست مجرد حدث معزول، بل نتاج تراكم طويل من غياب الرقابة المؤسسية على الأجهزة الأمنية.

ويقول في هذا الشأن إنه “لطالما اعتُبرت الأجهزة الأمنية السورية بمثابة سلطة فوق الدولة، حيث تُمنح حرية التصرف دون محاسبة حقيقية. إذا لم يتم إعادة هيكلة هذه المؤسسات وضبط سلوكها، فسيظل العنف يتكرر بأشكال مختلفة، وسيصبح أي حديث عن المصالحة مجرد شعارات بلا أثر فعلي”.

ويرى التقي أن التصعيد الأخير يطرح تحديات جوهرية على النظام السوري، إذ إنه مطالب بتقديم نموذج جديد للحكم، بعيدا عن المعالجات الأمنية العنيفة، التي أثبتت فشلها في احتواء الغضب الشعبي، ويضيف: “ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لغياب استراتيجية واضحة لإدارة الأزمة. الاعتماد على القمع لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات، وقد تكون هذه المجزرة نقطة تحول في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة السورية مستقبلا”.

رؤية أوسع تشمل مصالحة وطنية

أما مدير مؤسسات “غنوسوس” للأبحاث عمار وقاف، فيرى أن النقاش حول الأحداث الأخيرة يجب أن يتجاوز الإطار الأمني والسياسي التقليدي، نحو رؤية أوسع تشمل مصالحة وطنية حقيقية لا تقوم على أسس طائفية.

ويقول وقاف أن “ما نشهده اليوم هو نتيجة تراكمات طويلة من السياسات التي اعتمدت على تأجيج الهويات الطائفية كأداة للسيطرة السياسية. أي حل حقيقي يجب أن يقوم على بناء دولة المواطنة، وليس على المحاصصة الطائفية أو العرقية”.

ويشير وقاف إلى أن مسارات المصالحة الحالية لا تزال محدودة التأثير لأنها لا تتعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة، مضيفا: “من دون مشروع وطني شامل يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع ستبقى سوريا عالقة في دوامة العنف، لأن الحلول الأمنية وحدها لن تؤدي إلى استقرار مستدام”.

ستتكرر المآسي

ويقول الكاتب والصحافي عمر كوش، أن التركيز على “التحقيقات الرسمية” لن يكون كافيا ما لم تكن هناك إرادة حقيقية لتحقيق العدالة.

ويضيف كوش، إن “المشكلة ليست في تشكيل لجان التحقيق، بل في جدية هذه التحقيقات وقدرتها على الوصول إلى الجناة الحقيقيين. لدينا تجارب سابقة تظهر أن مثل هذه اللجان تستخدم غالبا كأدوات سياسية لامتصاص الغضب الدولي، ثم يتم طيّ الملفات دون أي محاسبة حقيقية”.

ويؤكد كوش أن “غياب العدالة سيُبقي الباب مفتوحا أمام مزيد من المجازر، حيث أن الإفلات من العقاب هو العامل الرئيسي في استمرار دوامة العنف.

وتابع: “هناك مسؤولية مباشرة على المجتمع الدولي في الضغط لإجراء تحقيقات مستقلة، لأن السكوت عن هذه الجرائم يعني إعطاء ضوء أخضر لتكرارها. لا يمكن الحديث عن حلول سياسية دائمة ما لم يكن هناك مسار قضائي واضح لمحاسبة كل المتورطين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العسكرية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى