حجر أساس “الريفيرا”

غازي العريضي
لم تتراجع إسرائيل عن أهدافها في غزّة، ولم يتراجع الرئيس الأميركي، ترامب، عن دعمها وتأكيد التزامه بـ”مشروع الريفيرا”. وقبل استئناف الحرب وادّعاء إسرائيل أنها جاءت ردّاً على عدم التزام حركة حماس بالاتفاق المتعلّق بإطلاق المحتجزين الإسرائيليين، فإن موفدين دوليين من جهات مختلفة سمعوا من المسؤولين الإسرائيليين كلاماً واضحاً: “حتى لو سلّمت حماس العدد الأكبر من الرهائن في هذه المرحلة، فإن القتال سيُستأنف”، في وقتٍ كان الجيش الإسرائيلي يُعدّ خطّته، وإدارة ترامب تفرج عن صفقات أسلحة كانت مجمدّة، وتتضمّن أسلحةً نوعيةً فتّاكةً وقذائفَ مخصّصةً لقصف التحصينات والأنفاق، وتطلق حملة إعلامية مركِّزة في اتهام “حماس” وتأييد ما تفعله إسرائيل. فيما نشطت بالتوازي الحركة لعقد قمة المطوّرين العقاريين، والتحضير لـ”مشروع الريفيرا”، الذي أعلنه ترامب.
وفي هذا السياق، أكّد مسؤولون إسرائيليون أن “الخطّة العربية المُعدّة لـ”غزّة” هي “هروب إلى الأمام”، وأعلن بنيامين نتنياهو: “نستعدّ لسيناريو تتصاعد فيه الأحداث، ونفتح فيه جبهة أكبر وأكثر قوّة في الضفة”، وأضاف: “مجلس حقوق الإنسان فاسد وداعم للإرهاب ومعاد للسامية”. وأطلقت مندوبة أميركا في الأمم المتحدة إليز ستيفانيك تصريحاً هدّدت فيه الذين “يناهضون السامية”، وأشارت إلى نيّة فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، داعيةً، في الوقت نفسه، إلى تفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالكامل، وليس الذهاب إلى وقف تمويل أنشطتها فقط.
بالتوازي مع ذلك، اتخذ الرئيس الأميركي إجراءات ضدّ كلّ من يؤيّد حقّ الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل حرّيته، ولتنفيذ القرارات الدولية بإقامة دولته المستقلّة على أرضه، وبدأ طرد طلاب في الجامعات والعاملين في مؤسّسات أميركية. ولاستكمال المشهد، انعقدت قمّة الدول السبع، وخرجت ببيان حُذفت منه الإشارة التقليدية التي كانت ترد في البيانات السابقة عن “حلّ الدولتَين”، ودعا إلى “إيجاد حلّ سياسي للشعب الفلسطيني يتحقّق من خلال حلّ تفاوضي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يلبي الاحتياجات والمطالب المشروعة للشعبين، ويعزّز السلام والاستقرار والازدهار الشامل في الشرق الأوسط. ما هذا الحلّ؟… جاء الجواب في اجتماع المجلس الوزراي المصغّّر برئاسة نتنياهو، الذي صدر عنه بيان يؤكّد “إنشاء إدارة هجرة طوعية لسكّان غزّة الذين يبدون رغبةً بالانتقال إلى دول أخرى مع مراعاة أحكام القانون الإسرائيلي والدول، ووفقاً لرؤية الرئيس ترامب”. ما هذه الرؤية؟… “إقامة ريفييرا الشرق الأوسط”، أي فعلياً تهجير الفلسطينيين من أرضهم. وتزامن ذلك مع إعلان (غير جديد وغير مفاجئ) اتصالات أميركية مع عدة دول أفريقية لاسيتعاب مليون ونصف مليون من الفلسطينيين في أراضيهم. وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس “إجلاء السكّان من مناطق القتال في غزّة قريباً، ودعوتهم إلى الهجرة طوعاً”.
في هذا الوقت، بدأت المرحلة الثانية من الإبادة الجماعية في غزّة، واستشهد مئات من الفلسطينيين الأبرياء، وقطعت الكهرباء عن المناطق كلّها، وثمّة توجّه إلى قطع المياه. وشهدت هذه المرحلة إعادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى صفوف الحكومة، التي صوتّت ضدّ قاضية المحكمة العليا لمنعها من اتخاذ أيّ قرار، وعدم الاكتراث للأصوات الداخلية الداعية إلى تنفيذ الاتفاقات المعقودة لضمان أمن المحتجزين الإسرائيليين وسلامتهم، خصوصاً أن عدداً منهم قتل وأصيب مع استئناف العدوان على غزّة والضفة أيضاً.
يحصل ذلك والعرب يبدون في عجز تام، وثمّة من لا يعترض على ما يجري تحت عناوين وأوهام مختلفة. وبالتالي، لا شيء سيوقف الإسرائيلي عن استكمال مخطّطه وفق رؤية ترامب. إنها بداية تحقيق خطوات عملية على طريق “الريفيرا” الموعودة. إنه حجر الأساس الأوّل لهذا المشروع الخطير، يقام على ركام فلسطين ودماء أهلها، وسيدفع ثمنه العرب كلّهم. وللبحث صلة.