أردوغان لم يحرق السفن مع تنظيم الإخونجية
ويلتقي بقيادات في التنظيم من مصر واليمن وليبيا وموريتانيا
على عكس الاتجاه المعلن لتحسين العلاقات أنقرة مع القاهرة، أثار استقبال رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وفدا من اتحاد علماء المسلمين، الواجهة السياسية لتنظيم الإخونجية، جدلاً جديداً في مصر بشأن التزام تركيا بالتفاهمات التي مثلت أرضية لعودة العلاقات بين البلدين، ومن بين هذه التفاهمات، كما تقول القاهرة، رفع أنقرة يدها عن الإخونجية.
الوفد ضمّ قيادات إخونجية من مصر واليمن وليبيا وموريتانيا، أبرزها علي القره داغي الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، والقياديان المصريان عمر عبدالكافي ومحمد الصغير، وقيادات أخرى مثل محمد راتب النابلسي وأسامة الرفاعي ومحمد مختار الشنقيطي.
وحمل توقيت الاستقبال والاحتفاء بأعضاء الوفد مجموعة من الرسائل السياسية، في مقدمتها أن أردوغان لن يتخلى عن ورقة الإخونجية وسيظل ممسكا بها لأسباب أيديولوجية، وأن تجميدها أو وضعها على الرف مؤقتا فرضتهما تطورات إقليمية معينة، وأن هناك إمكانية لتوظيفها عندما تسنح الظروف.
وأحدث اللقاء صدى في القاهرة؛ لأنه جاء عكس الاتجاه المعلن لتحسين العلاقات مع أنقرة، والذي بموجبه اتخذت تركيا إجراءات للحد من حركة قيادات وعناصر إخونجية عديدة، وبدت الخطوة كأنها عربون صداقة مع مصر التي بدأت تفتح ذراعيها بحذر لتركيا.
وسعى تنظيم الإخونجية إلى استثمار لقاء قيادات فيها مع أردوغان للإيحاء بأن تركيا لن تتركها، وأنها لا تزال حليفا إستراتيجيا للتنظيم، وأن كل المطبات التي حدثت مؤخرا تم أو سيتم تجاوزها، وعودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة هي توجه “تكتيكي”.
عراقيل في طريق العلاقات
وفرضت تركيا في الفترة الماضية قيودا على أنشطة الإخونجية وأفرادها المقيمين في أراضيها منذ الشروع في إجراء محادثات مع القاهرة، بما اعتبر مؤشرا على أن أنقرة رفعت دعمها عن التنظيم، حيث شنت حملة مداهمات ضد قياديين إخونجية وقررت وقف منح الجنسية لعدد كبير منهم.
ويشير مراقبون إلى وجود عراقيل في طريق العلاقات بين مصر وتركيا، وأن الانفتاح في المجال الاقتصادي بات مُرضيا في الوقت الراهن للطرفين، لأنه يخلق دفئا ويمنع العودة إلى الوراء، وهو ما جعل الطرفين يوليانه اهتماما كبيرا.
وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان إن الهدف من لقاء أردوغان ووفد علماء المسلمين هو التوسط لإنهاء الحملة التي تشنها وزارة الداخلية التركية على المهاجرين.
وأضاف سلطان، أنه “جرى التوافق بين وفد علماء المسلمين وأردوغان على هذا الأمر بدليل أن أغلب مَن حضروا الاجتماع مِن الدعاة المقربين أو المحسوبين على جماعة الإخوان، وأكدوا أنهم تلقوا وعدًا بدعم ورعاية المهاجرين”.
مرجعية موازية للأزهر
ونفى سلطان وجود علاقة مباشرة بين اللقاء والعلاقات مع مصر، لكنه قال إن الوفد قدم مقترحا يقضي بتأسيس جامعة إسلامية عالمية على غرار جامعة الأزهر، وهو ما يشي بالرغبة في إنشاء مرجعية موازية للأزهر، وهذا في جوهره يؤكد استمرار المحاولات التي انخرطت فيها جماعة الإخوان من قَبْل لتأسيس كيان ديني بهدف سحب البساط، ولو جزئيّا، من تحت أقدام المؤسسة الدينية العريقة في مصر.
وأكد أحمد سلطان، أن “ملف الإخونجية جرى تجاوزه نسبيا وانصبّ التركيز على ملفات أخرى للتعاون المشترك بين البلدين، لكن تركيا لم تغير موقفها من الجماعة بشكل جذري، ومازالت هي الملاذ الآمن الأكبر والأهم بالنسبة إليهم، والحملات التي طالت عناصر إخوانية قصدت المهاجرين أساسا، والجزء الذي يتعلق بالتنظيم محصور في مسألة التدقيق في الهويات التي منحت لقادة الإخونجية”.
وتقارن دوائر مصرية بين التطور الظاهر في علاقات تركيا بكل من السعودية والإمارات من جهة، والبطء الواضح الذي يسم العلاقات بين أنقرة والقاهرة من جهة أخرى، وتعزو هذا البطء إلى غلبة الهواجس الأمنية على نظيرتها السياسية، والتوجس من طموحات أردوغان الإقليمية ومماطلاته في تقديم تنازلات ترضي القاهرة وتثبت حسن نواياه. وجاء لقاء وفد علماء المسلمين ليزيد المخاوف من انتكاسة يمكن حدوثها في أي لحظة دون أن تصل إلى القطيعة التامة.
وطوى البلدان صفحة القطيعة السابقة، ويتم الحديث عن تفاصيل تخطيها تماما من خلال وضع النقاط على الحروف في القضايا الشائكة، وتتمسك القاهرة بعدم تجاوزها لمجرد عودة تبادل السفراء، وضرورة الحصول على ما يؤكد التحسن عمليا.
وتؤاخذ الدوائر المصريةُ -المعنية بالعلاقات مع تركيا- القاهرةَ على تعاملها مع الرئيس أردوغان بحذر شديد، وعلى تفاعلها البطيء معه قبل الانتخابات وتأجيل خطوة تبادل السفراء، فآنذاك كان يمكن الحصول على مزايا أكبر وتنازلات أوسع، لكن الانتظار حتى فوز أردوغان حرر الرجل من الضغوط السابقة.