أزمة جديدة تضرب حزب العدالة الإخونجي في المغرب بسبب تشريع “الحشيش”
بن كيران يجمد عضويته في الحزب ويقطع علاقته مع رئيس الحكومة
بعد الخلافات الواسعة التي ضربت حزب العدالة والتنمية الإخونجي بسبب مشاركة الامين العام لحزب العدالة والتنمية الإخونجي في مراسم حفل التوقيع على اتفاقية مع إسرائيل، يواجه الحزب أزمة جديدة بعد قرار رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بن كيران، الخميس، قطع علاقاته مع رئيس الحكومة والحزب سعد الدين العثماني وكل من الوزير المصطفى الرميد، وعبد العزيز الرباح، ومحمد أمكراز، والقيادي والوزير السابق لحسن الداودي، وهم قياديون في الحزب محسوبون على شق الأمين العام الحالي.
كما أعلن عن تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية الإخونجي، الذي يقود الائتلاف الحكومي في المغرب، احتجاجاً على إقرار الحكومة تشريعاً جديداً لتقنين زراعة القنب الهندي “الحشيش”.
ويعيش “العدالة والتنمية الإخونجي” على وقع خلافات عميقة، قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر المقبل، التي يرى مراقبون أن الفوز فيها سيكون صعباً على الحزب المذكور، بفعل تآكل شعبيته على مدى ولايتين في السلطة، فضلاً عن الأزمات الداخلية التي يعانيها، والاستقالات التي يشهدها.
تجدر الإشارة إلى أن بن كيران، الذي كان يشغل منصب الأمين العام للحزب قبل سعد الدين العثماني، هو ثاني قيادي بارز يقدم على هذه الخطوة داخل “حزب العدالة والتنمية” في أقل من شهر، إذ أعلن إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير السابق، وعمدة مدينة فاس، في أواخر فبراير الماضي، استقالته من رئاسة المجلس الوطني لـ”العدالة والتنمية”، الذي يعد بمنزلة برلمان الحزب، بسبب “الأوضاع داخل الحزب”.
وربط عبد الإله ابن كيران قراره بتجميد عضويته في الحزب، بشكل مباشر، بموافقة وزراء “العدالة والتنمية” ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني على مشروع قانون مثير للجدل يقضي بتقنين زراعة نبتة القنب الهندي، التي يُستخرج منها مخدر “الحشيشة”، لاستعمالات طبية وصناعية.
ونشر بن كيران عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، بياناً مكتوباً بخط يده، يؤكد فيه تجميد عضويته داخل حزب “العدالة والتنمية”، عقب مصادقة مجلس الحكومة على مشروع القانون المتعلق بزراعة القنب الهندي.
وأعلن أنه قرر أيضاً “قطع” علاقته برئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي يقود الحزب، وبعض وزراء “العدالة والتنمية” الحاليين والسابقين، وهم: المصطفى الرميد، ولحسن الداودي، وعبد العزيز الرباح، ومحمد أمكراز.
وجاء قرار ابن كيران، تنفيذاً لتهديد سابق أصدره في فبراير الماضي، حين شرعت الحكومة في دراسة مشروع القانون المتعلق بالقنب الهندي (في الـ25 من فبراير الماضي)، أكد فيه أنه سيجمد عضويته في الحزب في حال مصادقة الحكومة على مشروع القانون، وأنه سينسحب نهائياً منه في حال صوت أعضاء “العدالة والتنمية” في البرلمان لمصلحة التشريع الجديد.
وصادق مجلس الوزراء المغربي، الخميس، على مشروع القانون، وأحاله على البرلمان لمناقشة مضامينه، قبل عرضه على التصويت، كي يصبح قانوناً سارياً.
وفور إعلان بن كيران تجميد عضويته في الحزب ليلة الخميس، أصدر رئيس الحكومة والأمين العام للحزب سعد الدين العثماني بياناً، يدعو فيه أعضاء “العدالة والتنمية” إلى الامتناع عن “التعليق على الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدم تقديم أي تصريح حوله لوسائل الإعلام”.
وقال العثماني إن الأمانة العامة للحزب “ستدرس هذا الموضوع لتتخذ المبادرات المناسبة وبالشكل المناسب الذي يسهم في استيعاب النقاش، ويعزز سبل التفهم والتفاهم، سعياً لتوجيه جهود الحزب لما فيه مصلحة الوطن ومصلحة الحزب”.
ودافع بعض أعضاء “العدالة والتنمية” عن قرار عبد الإله بن كيران، ومن بينهم حسن حمورو عضو المجلس الوطني للحزب، الذي قال لـ”الشرق”، إن قرار بن كيران “لا يأتي بسبب الموقف من قانون تقنين الكيف (الحشيشة) فحسب، وإنما لأسباب أخرى تتعلق أساساً باستقلالية القرار داخل الحزب”.
ولفت حمورو إلى أن “هذا القانون تم تمريره بطريقة غريبة داخل الحكومة، بعد أن توارت وزارة الداخلية صاحبة القانون إلى الوراء، ووجد بعض وزراء العدالة والتنمية أنفسهم مطالبين بالدفاع عنه أمام الرأي العام”.
وأوضح أن العثماني وبقية أعضاء الحزب في الحكومة وافقوا على إقرار القانون في مجلس الحكومة “بعيداً من مؤسسات الحزب، سواء أمانته العامة التي لم تحسم موقفها النهائي بعد، والتي دعت إلى توسيع النقاش العمومي والاستشارة المؤسساتية حوله، أو المجلس الوطني للحزب”.
وقال حمورو إنه “سبق لبن كيران، الذي كان رئيساً للحكومة، أن تعامل مع مثل هذه القضايا، ودفع ثمن الاستقلاليه، ولذا فإن تجميد عضويته في الحزب، تعني أنه تأكد لديه بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحزب فقد استقلاليته بشكل نهائي”.
وأشار حمورو إلى أن الحزب “ربما فقد إرادته أيضاً، أو أن جهة ما وضعت يدها عليه. وبذلك لا معنى لاستمرار بن كيران أو غيره من الإصلاحيين كأعضاء فيه”.
وقال الأكاديمي والمحلل السياسي عتيق السعيد، إن شعبية العدالة والتنمية “تراجعت بالفعل خلال ولايته الحكومية الحالية، ما يقلص حظوظه في الفوز بالانتخابات”.
وأوضح السعيد، أن” تقارير المؤسسات الدستورية الإستشارية في مجال الحوكمة، وما شهدته بعض المناطق من احتجاجات اجتماعية، تظهر عدم رضى على حصيلة تدبير الحكومة في قطاعات عدة”.
وأشار السعيد إلى أن “الحزب يعيش حالة من الارتباك العميق و يتخبط في تناقضات في العديد من المواقف والقرارات السياسية”، ومن ضمنها تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
واعتبر أن “تجميد عبد الاله بن كيران عضويته في الحزب، تؤكد بشكل واضح أن العدالة والتنمية يعيش فترة عصيبة”، لافتاً إلى أن الخلافات الداخلية التي يشهدها الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات “من المرجح أن تؤدي إلى تغيير في المشهد السياسي بالمغرب”.
أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في كلية الحقوق بالمحمدية، عمر الشرقاوي، اعتبر أن عبد الإله بن كيران “كان يحاول إنهاء مساره في الحزب منذ مارس 2017، حين أُعفي من رئاسة مجلس الوزراء بعد فشله في تشكيل حكومة، وتكليف سعد الدين العثماني في منصبه، وهو الأمر الذي دعمه بعض قادة الحزب ممن أعلن مقاطعتهم الخميس”.
وأشار الشرقاوي، إلى أن بن كيران “حاول في لحظات مختلفة أن يمتطي صهوة قضايا ذات بعد اجتماعي لرد الصاع لأعضاء في حزبه، وعلى رأسهم سعد الدين العثماني و مصطفى الرميد وقاد معارك عدة من دون أن ينجح فيها، مثل معركة اعتماد الفرنسية في تعليم المواد العلمية، ومعركة تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل”.
وأوضح الشرقاوي أن “بن كيران لم يناقش مضامين تشريع القنب الهندي، فهو يريد أن يجعل من القانون فرساً لربح السباق والإطاحة بالعثماني”.
ولفت الخبير السياسي إلى أن بن كيران يحاول إزاحة العثماني من منصبه كأمين عام لـ”العدالة والتنمية” خلال المؤتمر الوطني القادم للحزب، مضيفاً أن هذا الأمر “أصبح واضحاً من خلال طريقة إعلان بن كيران قراره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من المؤسسات الداخلية للحزب”، في إشارة إلى رغبة الأخير في تحريض أعضاء الحزب ضد قيادته الحالية.