أفغانستان ستتحول إلى إقطاعيات يحكمها أمراء حرب
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن التوسع المتزايد لحركة طالبان الإرهابية تزامناً مع انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، دفع الكثير من المنظمات القومية في البلاد، إلى تشكيل جيوشها الخاصة للدفاع عن نفسها.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها، إلى أنه في أبريل الماضي، ومع تزايد الهجمات على قومية الهزارة، بدأ زعيم هذه المجموعة العرقية المتمركزة وسط أفغانستان، ذو الفقار أوميد، بحشد الرجال المسلحين ضمن ميليشيات، للدفاع عن مناطق الهزارة ضد العناصر المنتسبة لحركة طالبان الإرهابية، وتنظيم “داعش” في أفغانستان.
وكشف ذو الفقار، بحسب “نيويورك تايمز”، أنه يقود حالياً 800 رجل مسلح في 7 مناطق انطلاق، تم حشدهم في ما يسميه ذو الفقار بـ”مجموعات الحماية الذاتية”.
وقال ذو الفقار: إن “الهزارة يُقتلون في المدن وعلى الطرق السريعة، لكن الحكومة لا تحميهم. الآن وقد طفح الكيل، يتعين علينا حماية أنفسنا”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ظل انسحاب قوات الولايات المتحدة والناتو من البلاد، وتعثُّر المحادثات بين طالبان والحكومة المدعومة أميركياً، شكَّلت المجموعات الإثنية في جميع أنحاء البلاد ميليشياتها الخاصة أو بدأت تخطط لتشكيلها، في مشهد يستدعي إلى الذاكرة الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي عندما قتلت الميليشيات المتنافسة آلاف المدنيين، ودمَّرت أجزاء كاملة من مدينة كابل.
إقطاعيات يحكمها أمراء حرب
وقالت الصحيفة إن وجود حركة ميليشيا منظمة في البلاد، حتى لو كانت مصطفة مع الحكومة شكلياً، قد يحدث شرخاً في حكومة الرئيس أشرف غني، ويقسم البلاد مرة أخرى إلى إقطاعيات يحكمها أمراء حرب، لافتة إلى أنه مع ذلك فإن هذه الجيوش المؤقتة قد تكون في النهاية خط الدفاع الأخير في ظل الانهيار المطرد لقواعد القوات الأمنية ونقاطها أمام الهجمات الشرسة لطالبان.
ومنذ إعلان انسحاب القوات الأميركية في أبريل الماضي، سارع رجال الأقاليم الأقوياء إلى نشر فيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر عناصر مسلحين يرفعون بنادق هجومية ويتعهدون بقتال “طالبان”، في وقت يخشى فيه بعض زعماء الميليشيات من أن محادثات السلام الضعيفة في العاصمة القطرية الدوحة، ستنهار عقب مغادرة القوات الأجنبية، وأن طالبان ستكثف هجومها الشامل للاستيلاء على العواصم الإقليمية وفرض حصار على كابل.
وقالت “شبكة محللي أفغانستان”، وهي مجموعة بحثية في كابل، إنه “للمرة الأولى منذ 20 عاماً، يتحدَّث سماسرة السلطة علناً عن حشد رجالهم المسلحين”.
ويخوض الكثير من هؤلاء السماسرة، بحسب الصحيفة، صراعاً دائماً مع الحكومة الأفغانية، من أجل السيطرة ما بعد الانسحاب الأميركي.
أحمد مسعود
أحد هؤلاء السماسرة البارزين هو أحمد مسعود (32 عاماً)، نجل أحمد شاه مسعود قائد تحالف الشمال الذي ساعد القوات الأميركية في دحر حركة “طالبان” أواخر عام 2001.
وشكَّل أحمد مسعود تحالفاً من الميليشيات في شمال أفغانستان. ويعتقد أن مسعود الذي يصف حركته المسلحة بـ”المقاومة الثانية”، يحظى بدعم بضعة آلاف من المقاتلين، ومجموعة من قادة الميليشيات المسنين الذين قاتلوا طالبان والاتحاد السوفييتي.
ويرى بعض القادة الأفغان، بحسب “نيويورك تايمز”، أن مسعود تنقصه الخبرة اللازمة ليقود حركة مسلحة بشكل فعَّال، لكن بعض القادة الغربيين ينظرون إليه باعتباره مصدراً استخباراتياً قيّماً، في ما يتعلَّق بمجموعات “القاعدة” وتنظيم “داعش” داخل أفغانستان.
الجنرال عبد الرشيد دوستم
ويحتفظ الرجل القوي من أصول أوزبكية الجنرال عبد الرشيد دوستم منذ فترة طويلة بجيش خاص قوامه الآلاف في ولاية جوزجان. وتشير “نيويورك تايمز” إلى أنه على الرغم من اتهام دوستم بارتكاب جرائم حرب، إلا أنه من المتوقع أن يكون شخصية محورية في أي انتفاضة مسلحة ضد حركة طالبان الإرهابية.
عطا محمد نور، هو سمسار آخر من سماسرة السلطة، ممن تخضع تصرفاتهم في الفترة الحالية لرقابة لصيقة، فهو، بحسب “نيويورك تايمز”، أمير حرب سابق، وشخصية قيادية في ولاية بلخ التي تضم مركز أفغانستان التجاري مدينة مزار شريف.
وقال عطا الثلاثاء إنه “سيحشد ميليشياته إلى جانب قوات الحكومة” في محاولة لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها طالبان في الأيام الأخيرة بعد الهجوم الخاطف لمسلحيها في الشمال.
وفي مدينة هرات غرب البلاد، نشر أمير الحرب الطاجيكي السابق، وأحد قادة تحالف الشمال الذين ساعدوا في هزيمة طالبان، محمد إسماعيل خان تجمعاً صاخباً لرجال مسلحين على صفحته في “فيسبوك”.
وقال خان خلال تجمع لمؤيديه، إن نصف مليون شخص في هرات مستعدون لحمل السلاح “للدفاع عنكم وإبقاء مدينتكم آمنة”، في إشارة واضحة، كما تقول “نيويورك تايمز”، إلى أنه “ينوي حشد ميليشياته إذا انهارت المحادثات بين الحكومة وطالبان”.
توسع طالبان
يأتي ذلك في وقت توسع فيه حركة طالبان الإرهابية نفوذها في البلاد، وتستولي على مناطق جديدة تمهيداً لما يعتبره مراقبون محاولة للسيطرة على المدن الرئيسة للبلاد بمجرد الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية.
وكشفت مبعوثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان ديبورا ليونز، الثلاثاء، أن الحركة سيطرت على أكثر من 50 منطقة من بين 370 منطقة، وأنها في وضع يمكنها من بسط سيطرتها على عواصم الأقاليم.
وقالت ليونز لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: “هذه المناطق التي تمت السيطرة عليها تقع حول عواصم أقاليم، مما يشير إلى أن طالبان تتمركز بحيث تسعى للسيطرة على هذه العواصم فور انسحاب القوات الأجنبية بالكامل”، وذلك بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
وتصاعد العنف في الشمال، خارج المعاقل التقليدية للحركة في المناطق الجنوبية، مثل إقليمي هلمند وقندهار، حيث وقعت في السابق معارك على نطاق واسع.
وقال مسؤول أمني أفغاني كبير شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إن “استراتيجية طالبان تتمثل في تحقيق تقدم ووجود قوي في المنطقة الشمالية من البلاد، والتي تقاوم الحركة المسلحة منذ أمد بعيد”.
وأضاف، بحسب “رويترز”: “سيواجهون مقاومة أقل في الأجزاء الأخرى من البلاد حيث يتمتعون بالمزيد من النفوذ والوجود”.
وقال مسؤولون محليون وأعضاء في الحركة إن “طالبان كانت قد وصلت مساء الاثنين إلى مشارف مزار الشريف عاصمة إقليم بلخ قبل أن تتراجع”.
وذكر المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، أن قيادة الحركة طلبت من المقاتلين العودة بعد أن وصلوا إلى مدخل مدينة مزار الشريف، حيث لم ترغب قيادتهم العليا في السيطرة على الأقاليم إلا بعد رحيل جميع القوات الأميركية.
كما سيطرت طالبان، الثلاثاء، على أبرز معبر حدودي مع طاجيكستان في شمال أفغانستان وهو محور حيوي في العلاقات الاقتصادية مع آسيا الوسطى.
دعم القوات الأمنية
وأكدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن حول أفغانستان، الثلاثاء، استمرار الالتزام الأميركي بسلامة أفغانستان وأمنها، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستستخدم أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لدعم المستقبل السلمي والمستقر الذي يستحقه الشعب الأفغاني.
وشددت على أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم القوات الأمنية وقوات الدفاع الوطني الأفغانية في تأمين البلاد.
وقالت غرينفيلد: “أكدنا لطالبان أن المسار العسكري لن يقود إلى الشرعية، وأنه ليس هناك حل عسكري في أفغانستان”، مشيرة إلى أن “العالم لن يعترف بأي حكومة في أفغانستان تم فرضها بالقوة، كما أنه لن يعترف بإعادة الإمارة الإسلامية” لطالبان، على حد تعبيرها.
وشددت على أن هناك طريقاً واحداً للمضي قدماً وهو تسوية سياسية تفاوضية شاملة من خلال عملية يقودها ويملكها الأفغان.
والاثنين لمح البنتاغون الى أن عمليات الانسحاب الأميركي التي تتقدم بسرعة كبيرة يمكن أن تتباطأ عمداً لمواجهة هذه الهجمات المتكررة مع احترام استحقاق 11 سبتمبر لتحقيق انسحاب كامل.