أوساط سياسية جزائرية تتهم الرئيس تبون بجعل الجزائر حديقة خلفية لخطط تركيا
اتهمت أوساط سياسية جزائرية الرئيس عبد المجيد تبون بجعل الجزائر حديقة خلفية لخطط تركيا في شمال أفريقيا، وذلك من خلال اتفاقيات متعددة تسمح لأنقرة بالتحكم في القرار الجزائري.
وأشارت الأوساط السياسية الجزائرية إلى أن هذه الاتفاقيات هي بمثابة صك على بياض لأنقرة حتى تتخذ من الجزائر مركزا لانطلاق أنشطتها في شمال أفريقيا، وتدعيم دورها في ليبيا ومالي والضغط على تونس التي ترفض الانضواء تحت المظلة التركية، وأن هذا الدور لا يليق بالجزائر وتاريخها.
وأضافت الأوساط ذاتها أن زيارة الرئيس الجزائري إلى أنقرة تظهر أن التوتر مع فرنسا لم يكن نتيجة خلافات بقدر ما كان الهدف من ورائه التمهيد لاستلام تركيا الدور الذي كانت تلعبه باريس، أي تبادل أدوار ومواقع بدل التحرر من النفوذ الأجنبي، وهو ما يظهر ضعف الجزائر تحت قيادة الرئيس تبون ومحدودية نفوذها الإقليمي، خاصة إذا تزامن الأمر مع مخلفات الأزمة الجزائرية – المغربية.
وتعتقد الأوساط السابقة أن أردوغان صار يعرف أن الجزائر في حاجة إلى استثمارات ومشاريع، ولذلك بادر إلى إغرائها بالاتفاقيات الكبيرة ولا يعرف إلى أي حد سيلتزم بما وعد به، لكن ذلك يظهر مفارقة عجيبة: دولة تحصل على عائدات كبرى من الغاز والنفط تجد نفسها مرتهنة لاستثمارات دولة غير نفطية رغم أن الأمر يفترض حصول العكس تماما.
15 اتفاقية تعاون
ووقعت الحكومتان الجزائرية والتركية على 15 اتفاقية تعاون تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية وحتى الدبلوماسية، ويتعلق الأمر بمدرسة دولية تركية في الجزائر، ومذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الخدمات الاجتماعية، وأخرى في المجال البيئي، وثالثة في مجال التعدين، فضلا عن مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وفي المجال السياحي وقع البلدان على اتفاقية حول افتتاح مراكز ثقافية في تركيا والجزائر، إلى جانب مذكرة تفاهم في مجال التربية والتعليم، والأعمال التجارية الصغيرة والتكنولوجيا والابتكار والغابات والصيد البحري والاستزراع المائي والنقل والبنى التحتية والإعلام ومجلس أعلى بين غرفتي التجارة والصناعة في البلدين.
الجزائر ستكون سوقاً إضافياً لتركيا
ويتجه البلدان إلى تبني مشاريع عسكرية مشتركة تعكس تحولا لافتا في مسار المؤسسة العسكرية الجزائرية، قياسا باعتمادها الكلي على السوق الروسية في التزود بترسانتها العسكرية، لكنها لم تدخل في مشروعات إنتاج مشترك، وهو ما سيسمح للجزائر بتنويع وتعزيز صناعاتها العسكرية المحدودة والمتمثلة في بعض الذخيرة والأسلحة اليدوية الخفيفة وبعض المركبات اللوجيستية.
ويقول مراقبون إن حاجة الجزائر إلى تنويع أسلحتها وعدم الاكتفاء بأسلحة تقليدية روسية ستوفر لتركيا فرصة تسويق مُسيّراتها وصناعتها الدفاعية، وإن الجزائر ستكون سوقا إضافية لتركيا في غياب تام لأي منتجات دفاعية جزائرية. لكن ذلك قد يقود إلى توتر في العلاقة مع روسيا التي لن تقبل أي ازدواجية في مواقف الجزائر سواء تعلق الأمر بالسلاح أو بالغاز.
ولا يُستبعد أن تستلم الجزائر في المدى القريب المزيد من الناشطين السياسيين المعارضين المطلوبين لديها من طرف السلطات التركية، بعد توقيع مذكرة مكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للقارات، لاسيما وأن المسألة لم تعترض عليها السلطات التركية حتى قبل ذلك، حيث سبق لها أن سلمتها ناشطين اثنين كانا يقيمان على ترابها.
وأعرب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في الندوة الصحافية المشتركة مع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، عن ثقته في رفع سقف الاستثمارات التركية في بلاده إلى حدود عشرة مليارات دولار في غضون السنوات القليلة القادمة، معربا عن تفاؤله ببناء شراكة اقتصادية في المجالات الاستراتيجية بين البلدين.
وقال إن “هذا ممكن بالطبع، ونحن أعربنا عن ترحيبنا بذلك، ووقعنا اتفاقيات في العديد من المجالات، وهذه الاتفاقيات ليست محدودة لا زمنيا ولا ماديا، وإن الجزائر تطمح إلى اتخاذ خطوات مهمة مع تركيا في مجال الصناعة لاسيما البحرية، سواء العسكرية منها أو المدنية”.
وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الجزائري منذ انتخابه رئيسا للبلاد في 2019، التي تحقق نتائج معتبرة للاقتصاد المحلي وتفتح أفق تعاون واسعا بين الطرفين، الأمر الذي يخفف من حدة العزلة التي تعرفها بلاده في السنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
إنشاء مجلس تعاون
ومن جانبه كشف رئيس النظام التركي أن بلاده والجزائر “عازمتان على تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، لاسيما وأن تركيا والجزائر اللتين تلعبان دورا هاما في ضمان السلام والاستقرار بالقارة الأفريقية عازمتان على تعزيز تعاونهما في مجال الصناعات الدفاعية”.
وذكر أردوغان أن “البلدين قررا إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى لنقل العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد، وأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تتطور يوما بعد يوم، فرغم الظروف الوبائية ارتفع حجم التجارة بين البلدين بنسبة 35 في المئة مقارنة مع العام 2020، وبلغ مستوى 4.2 مليار دولار، وأن البلدين وضعا هدفا جديدا لحجم التبادل التجاري من 5 مليارات دولار في عام 2020 إلى 10 للفترة المقبلة”.
وأضاف “البلدان سيتخذان خطوات في المستقبل لتنويع إنتاج الجزائر التي تعد إحدى بوابات أفريقيا، فضلا عن السير بخطوات واثقة نحو المستقبل في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية، وأن وجود أكثر من 1400 شركة تركية يضفي القوة على الاقتصاد الجزائري عبر المستثمرين الذين يعتبرون من قاطرات التعاون الاقتصادي”.
وإذ ثمّن أردوغان “الدور الذي يلعبه الجزائريون الأشقاء في كل أفريقيا وخاصة شمال القارة ومنطقة الساحل”، فإنه شدد على أن “تركيا تعمل على تعزيز التعاون مع جميع الأشقاء في أفريقيا على أساس الشراكة والربح المتبادل، وإشاعة التنمية الاقتصادية والسلام والاستقرار السياسي والاجتماعي في القارة السمراء”.
ويظهر تصريح أردوغان النوايا التركية في الرهان على الجزائر كمنصة انطلاق نحو المنطقة وأفريقيا عموما، حيث أبانت منذ سنوات عن استعانتها بالموروث السياحي والثقافي التاريخي للعثمانيين، كورقة لتحقيق التقارب بينها وبين شعوب المنطقة، حيث لم تخل الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين من التعاون السياحي والثقافي، كامتداد لسياستها في التكفل بترميم وتأهيل المعالم العثمانية في الجزائر، كحي القصبة وجامع كتشاوة بالعاصمة.