إخونجية تونس يواصلون الحفر تحت أقدام الرئيس سعيد
من المرجح أن تشهد المواجهة بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس حركة النهضة الإخونجية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي في قادم الأيام جولات جديدة أكثر حدة وتعقيدا بسبب تعمد الحركة الإيغال في التحدي الاستفزازي للرئيس من خلال انتقالها إلى مربع جديد هدفه تضييق مساحة تحرك سعيد عبر الانتقاص من صلاحياته الدستورية.
وكشفت مصادر برلمانية، أن هذا التصعيد الجديد عكسه تقدم أعضاء الكتلة النيابية لحركة النهضة بمشروع قانون جديد لتعديل القانون الانتخابي تضمن جملة من الاقتراحات التي تستهدف بالأساس إلغاء صلاحية الرئيس الخاصة المُتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية.
وقالت إنّ هذا المشروع الذي قُدم إلى مكتب البرلمان في العشرين من الشهر الجاري وجرى التعتيم عليه ينسف حق الرئيس المُتعلق بدعوة الناخبين للانتخابات أو الاستفتاء.
وجاء في نص هذا المشروع اقتراح يتعلق بتعديل الفصل 101 من القانون الانتخابي الذي يقول “تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء”.
وتُريد حركة النهضة الإخونجية في مشروع هذا القانون تعديل نص هذا الفصل ليُصبح كالتالي “تتم دعوة الناخبين بأمر حكومي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية والجهوية والبلدية وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء، وفي أجل أدناه شهر بالنسبة إلى الانتخابات السابقة لأوانها والانتخابات الجزئية”.
تجريد الرئيس من أوراق الضغط
ويتّضح من خلال هذه الصيغة المُقترحة أن حركة النهضة تُريد من وراء هذا التعديل افتكاك ورقة الدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، أو الذهاب إلى استفتاء الشعب حول أيّ قضية أخرى من يد الرئيس ومنحها إلى رئيس الحكومة، وبالتالي تجريد قيس سعيد من أوراق الضغط التي قد يلجأ إليها لتصحيح توازنات المشهد الراهن وخاصة الدعوة لاستفتاء على الدستور لتعديل النظام السياسي الحالي.
ويرجع كثيرون الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد إلى النظام السياسي (شبه برلماني) الذي لم يحدد الصلاحيات بشكل دقيق بين السلطات الثلاث.
وعن أبعاد هذه الخطوة التصعيدية ودلالاتها قال النائب في البرلمان مبروك كرشيد إنه “من الواضح حسب نص مشروع تنقيح الفصل 101 من القانون الانتخابي الذي تقدمت به حركة النهضة أن التصعيد السياسي يسير بخطى حثيثة، وهو مشروع يهدف إلى تقليل صلاحيات الرئيس وسلطته على الانتخابات بجميع فروعها”.
قانون لن يرى النور سواء
واعتبر كرشيد أن المسألة تتمثل في رسالة جديدة إلى قيس سعيد “وهي رسالة سياسية، لأن حركة النهضة تعلم أن هذا القانون لن يرى النور سواء بعدم نيله الثقة داخل مجلس نواب الشعب، أو من خلال امتناع الرئيس عن ختمه”.
ولفت إلى أن “الغاية من مشروع هذا القانون هي المزيد من تحدي الرئيس سعيد، وجرّه إلى مربع التفاوض مع حركة النهضة تحت القصف أو الخطأ الجسيم الذي ما فتئ النهضويون يلوحون به في وجهه، وبالتالي نحن أمام معركة جديدة سياسية بالأساس، ولكن سلاحها كل مرة هو القانون ومسرحها البرلمان”.
وتجد هذه القراءة ما يدعمها في سياق مُجريات هذه المعركة المتواصلة التي دفعت زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا) إلى القول في تصريحات إذاعية إن المعركة التي تشهدها تونس “هي معركة سياسية تدور بين توجهين وجبهتين كبيرتين”.
وشدد على أن “الأمر لا يتعلق بالدستور رغم أن عنوان هذه المعركة هو الدستور، بل يتعلق بمعركة سياسية بين جبهة الإسلام السياسي التي تقودها حركة النهضة وتوابعها التي ترتهن إلى الخارج وتتمسك بالديمقراطية الشكلية والانتقال الديمقراطي العليل، والجبهة الاجتماعية والسيادية التي تريد تحقيق أهداف الثورة”.
وأكد أن المشكلة الحقيقية بين حركة النهضة والرئيس سعيد لم تبدأ بسبب الدستور، وإنما بدأت عندما رفض أن يكون ضمن المحور الإخونجي أثناء زيارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس في نهاية شهر ديسمبر 2019.
وذهب إلى القول إن تحركات حركة النهضة هذه الأيام وما رافقها من خطاب استفزازي كان آخره خطاب رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني تؤكد أن هذه الحركة أصبحت “مرعوبة”، لأن “حساباتها بعد انتخابات سنة 2019 سقطت في الماء”.
وكانت تلك الحسابات “تقوم على جلب شخصية ضعيفة لرئاسة الحكومة يتحكم فيها راشد الغنوشي، وأن يكون رئيس الجمهورية قابلا للاحتواء”، على حد قوله، علما وأن الهاروني كان قد اتهم قيس سعيد بـ”مخالفة الدستور وتعطيل مؤسسات الدولة عبر تقديم خطابات لا تطمئن التونسيين وتمس من استقرار البلاد”.