إرهاب الحوثي.. الإدانة وحدها لا تكفي
عاطف السعداوي
حظي الهجوم الإرهابي الجبان الذي شنته مليشيا الحوثي بطائرات مسيرة مفخخة على منشآت ومناطق مدنية بدولة الإمارات العربية المتحدة أمس الاثنين بإدانات دولية وإقليمية وعربية واسعة النطاق وربما غير مسبوقة.
وشملت هذه الإدانات كافة الأطراف الفاعلة سواء كانت دولا أو كيانات أو منظمات أو مؤسسات دولية، أعربت عن تضامنها مع دولة الإمارات “أمام كل ما يهدد أمنها واستقرارها”، واستنكرت بأشد العبارات الهجوم الذي اعتبرته دولا عدة “تهديدا لاستقرار المنطقة”.
من بين هذه الإدانات الواسعة أتوقف عند الإدانة الأميركية التي جاءت على لسان كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، فالأول أكد خلال اتصالا بنظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد على “إدانة واستنكار الولايات المتحدة للهجوم الإرهابي لميليشيا الحوثي الإرهابية على مناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية”، والثاني أصدر بيانا قال فيه: “الحوثيون أعلنوا مسؤوليتهم عن هذا الهجوم وسنعمل مع الإمارات والشركاء الدوليين لمحاسبتهم، والتزامنا بأمن الإمارات لا يتزعزع ونقف إلى جانب شركائنا الإماراتيين في مواجهة كل ما يهدد أراضيهم”، أتمنى أن تقود هذه الإدانات الصريحة لهذا الفعل الإجرامي تغيرا في موقف الإدارة الأميركية الحالية الذي بدا مترددا وغير واضحا منذ بداية ولايتها في التعامل مع ما يهدد أمن واستقرار حلفائها في المنطقة، وفي تعاطيها عموما مع ملفات السياسة الخارجية ذات الانعكاس المباشر على منطقة الشرق الأوسط، لأن الفجوة تبدوا واضحة بين الأقوال والأفعال، فبينما تأتي الأقوال واضحة وحاسمة كما تجلى ذلك في بيانات الإدانة، إلا أنها وحدها لا تكفي إذا لم يصحبها أو يتبعها أفعالا أكثر وضوحا ومواقف أكثر حسما، خاصة أن الهجوم الذي نتحدث عنه لن يكون حدثا عابرا، ولن يمر مرور الكرام ولن تخفف من حدة تداعياته عبارات الإدانة والاستنكار، ولكنه بالتأكيد سيكون حدثا محوريا سيترتب عليه تغيرات في المشهد الإقليمي وسيؤدي بكل تأكيد إلى إعادة النظر في الترتيبات الإقليمية التصالحية التي كانت قيد التنفيذ، خاصة أن رد فعل الإمارات كان حاسما وواضحا حين أعلنت أن “الاعتداء لن يمر دون عقاب”، وأوكدت احتفاظها “بحق الرد”، ومن يعرف الإمارات جيدا يعرف أنه إذا قالت فعلت.
وبالتالي إزاء موقف بهذه الخطورة وهذه التداعيات المتوقعة والمنتظرة على الإقليم بأكمله، فإن عبارات الإدانة الوقتية قد تفقد قيمتها إن لم تعكس تغيرا في المواقف وإن لم تصحب بأفعال، خاصة إذا صدرت من أطراف قادرة على الفعل، وبالعودة إلى الموقف الأميركي يمكن لأهداف المقارنة استدعاء موقف الإدارة الأميركية السابقة في التعاطي مع هذا الملف، فربما كانت أبرز النجاحات التي حققتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مجال السياسة الخارجية، هو تبنيها منذ أيامها الأولى رؤية شاملة ومغايرة لطبيعة الخطر الإيراني لا تحصره فقط في شقه النووي، ولكنها تضع في الحسبان جميع تجليات السلوك الإيراني العدائي في المنطقة كتدخله في شؤون دول المنطقة وتهديده لأمن الحلفاء التقليديين لواشنطن ودعمه لميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية، لذا وقبل عشرة أيام فقط من انتهاء ولايتها، أعلنت الإدارة الأميركية أنها اتخذت بالفعل قرارها بتصنيف جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن على قائمتها السوداء للجماعات “الإرهابية” وإدراج ثلاثة من قادة الحوثيين، وهم عبد الملك الحوثي، وعبد الخالق بدر الدين الحوثي، وعبد الله يحيى الحاكم، على قائمة الإرهابيين الدوليين، ووفقا لما قاله وزير الخارجية الأميركي وقتها مايك بومبيو نفسه فإن التصنيف يهدف إلى “تعزيز الجهود للوصول إلى يمن موحد وذي سيادة بعيدا عن التدخل الإيراني وفي سلام مع جيرانه”. كما “يوفر أدوات إضافية لمواجهة النشاط الإرهابي والإرهاب الذي تمارسه جماعة أنصار الله”، كما يهدف إلى تحميل جماعة أنصار الله المسؤولية عن أعمالها الإرهابية، بما في ذلك الهجمات العابرة للحدود التي تهدد السكان المدنيين والبنية التحتية والنقل البحري التجاري. فانقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة ومؤسساتها وعلى المجتمع اليمني ونسيجه الاجتماعي أشعل شرارة العنف والفوضى وأدى إلى تدهور الوضع الإنساني في اليمن.
لاقى القرار وقتها ترحيبا إقليميا ودوليا واسعا لكنه لم يجد فرصة للتنفيذ بعد أن كان إلغائه من أوائل القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن بعد أيام قليلة من توليها دفة الأمور في البيت الأبيض، ولم يكن قرار حذف الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية هو الوحيد من إدارة بايدن في هذا الاتجاه، بل سبقه بيوم واحد وتحديدا في الخامس من فبراير الماضي إعلان الرئيس بايدن نهاية الدعم الأميركي لعمليات التحالف العربي التي تقودها السعودية في اليمن، الأمر الذي أعطى إشارات على الموقف المتردد للإدارة الأميركية الجديدة حيال ملف من أكثر الملفات تأثيرا على أمن واستقرار المنطقة، وهو الموقف الذي دفعت الولايات المتحدة نفسها ثمنه وعانت منه وكانت ضحية له بعد أن قام مسلحو ميليشيات الحوثي باقتحام المبنى الذي كانت تتخذه الولايات المتحدة سفارة لها في صنعاء في نوفمبر الماضي، ونهبوا كمية كبيرة من التجهيزات والمعدات، وذلك بعد أيام من اختطاف حوالي 25 شخصا بقوا في مبنى السفارة بعد تجميد عملها، الأمر الذي أدى إلى تنامي الأصوات الغاضبة داخل الولايات المتحدة وتحديدا من داخل الكونغرس التي تتهم الإدارة الأميركية الحالية بفشل التعاطي مع الملف اليمني وأن عملية اقتحام السفارة الأميركية أظهرت ضعف الولايات المتحدة تجاه أعدائها، وأدانت شطب إدارة بايدن جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، وطالبت بإعادة إدراجها مرة أخرى.
فماذا تنتظر إدارة بايدن لكي تعييد تقييم موقفها؟ هل تستمر في موقع المتفرج؟ هل تنتظر دليلا على إرهاب هذه الجماعة أكثر مما حدث في الأيام القليلة الماضية وهو إرهاب وصل إلى عمق أهم عواصم الحكم العربية كما حدث في الرياض وأبوظبي، وطال حتى أهم ممرات الملاحة الدولية كما تجلى قبل أيام حين انتهكت هذه الميلشيات كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، وحتى المبادئ التي تحكم الحروب، حين سطت بالقوة المسلحة على سفينة شحن ترفع علم الإمارات، وتحمل على متنها معدات طبية لمستشفى يمني؟ هل تنتظر واشنطن إنشاء كيان شبيه بجماعة “حزب الله” في اليمن على حدود أهم حلفائها في المنطقة؟ هل تنتظر أن تكون حركة الملاحة في البحر الأحمر تحت سيطرة ورحمة ميليشيا مسلحة؟
أعتقد أن الإدارة الأميركية مدعوة الآن لأن تنهي تناقضاتها وتعاملها الرخو مع الأزمة اليمنية الذي أدى إلى تأزيم الأمور أكثر، وأعتقد أن نقطة البدء هنا وأضعف الإيمان هو إعادة إدراج جماعة أنصار الله الحوثية على قائمة المنظمات الإرهابية، فمن شأن هذه الخطوة أن تحجم من خطر إيران ومشروعها بتحجيم أهم ميليشياتها، لأن التصنيف سيسهم بلا شك في وضع حد لأعمال هذه الميليشيا الإرهابية وداعميها وتحييد خطرها ووضع حد للانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها ضد الشعب اليمني، وإيقاف تزويد هذه المنظمة الإرهابية بالصواريخ والطائرات دون طيار والأسلحة النوعية والأموال لتمويل مجهودها الحربي ولاستهداف الشعب اليمني وتهديد الملاحة الدولية ودول الجوار، ومن شأن هذه الخطوة أيضا أن تسهل عملية إحلال السلام في اليمن، لأنه ستؤدي لدعم وإنجاح الجهود السياسية القائمة وستجبر قادة الميليشيا الحوثية على العودة بشكل جاد لطاولة المشاورات السياسية بعد أن لعبت خلال السنوات الست الماضية دورا رئيسيا في عرقلة كافة الجهود الهادفة للتوصل إلى سلام دائم وحل سياسي يحفظ للجمهورية اليمنية وحدتها وسلامة أراضيها ويحفظ لدول الجوار أمنها واستقرارها.