إعلام الإخوان.. انتحال صفة “الموسوعيين الجدد”
بشكل عام، وبغض النظر عن خلافات في التفاصيل، فإن تعريف “الموسوعة” هو أنها مجلد أو أكثر يضم معلومات مختلفة ومدققة حول عدد من المجالات المعرفية أو مجال محدد.
وقد ظهرت الموسوعات عندما اتسعت المعارف البشرية وتنوعت مجالاتها، واحتاج الناس إلى مصادر مجمعة وسهلة التصفح للحصول على ما يسعون إليه من معلومات ومصادر، فقد كانت المعلومات قبل ابتداع الموسوعات تتفرق بين كتب ومخطوطات ومناطق متباعدة من العالم، فكانت الموسوعات هي الحل لكل هذا. ومنذ ذلك الوقت، عرفت البشرية أعداداً هائلة من الموسوعات العامة والمتخصصة، اكتسب بعضها سمعة واسعة ومكانة لا تتزحزح في المعرفة الإنسانية.
وقد دخلت كلمة “موسوعة” إلى اللغة العربية في وقت متأخر، واشتقت من الفعل “وسع” الذي يدل على الشمول والكثرة، لتعني المجلد الذي يسع معلومات في كل ميادين المعرفة، وذلك بعد أكثر من قرن من دخولها للغات الأوروبية من الأصل اللغوي اليوناني، الذي يعني التعليم العام المتنوع والمفصل. من هنا أتى مصطلح “الموسوعي” في مختلف اللغات، ويعني الشخص واسع العلم والمعرفة المتنوعة التي تمتد إلى عدد كبير من المجالات والتخصصات، متفرداً بهذا عن غيره من العلماء المتخصصين في مجالات بعينها دون غيرها ودون إحاطة كافية بباقي المجالات. وقد عرفت فرنسا في القرن الثامن عشر مصطلح “الموسوعيين” بالجمع، في إشارة إلى أعضاء الجمعية الأدبية الفرنسية، الذين أسهموا في تطوير “الموسوعة” الأولى في فرنسا، وكان عددهم بالعشرات من أشهر هؤلاء المتمتعين بمواصفات الموسوعي المشار إليها.
وفي ثقافتنا العربية الإسلامية عرفنا عدداً معتبراً ممن ينطبق عليهم وصف الموسوعيين بمعناه الحديث المتداول من علمائنا الكبار، الذين أحاطوا علماً بعديد من العلوم والتخصصات والمعارف، دون أن يتعارض مع هذا تخصص بعضهم في مجال بعينه. وقد ترك هؤلاء وراءهم من المصنفات والمؤلفات الكثير مما لا تزال آثارهم قائمة حتى اليوم في علومنا ونخبنا الثقافية والدينية. ويصعب حصر أسماء كل هؤلاء الموسوعيين المسلمين الكبار، إلا أن من بينهم: ابن سينا، وابن رشد، وابن الهيثم، والخوارزمي، والكندي، وابن حيان، والرازي، والفارابي، وابن الأثير، وعشرات غيرهم ممن ينطبق عليهم هذا الوصف بدقة.
كل ما سبق كان حديثاً في العلم وفي الجد عن هؤلاء الموسوعيين، الذين أفنى غالبيتهم الساحقة أعمارهم في البحث والتدقيق بكل الوسائل العلمية في تحصيل المعارف المتنوعة وتدقيقها والربط بينها، للخروج في النهاية باستخلاصات منطقية تفيد البشرية وتطورها نحو الأمام. أما عن علاقة هذا بإعلام الإخوان والملتحقة بهم من خارج مصر، فهو انطباع شكلي زائف يعطيه مقدمو ومدونو وكاتبو هذا الإعلام، لمشاهدهم ومتصفحهم وقارئهم، بأنهم “موسوعيون”، من فرط تناولهم لكل شيء تقريباً يحدث في مصر.
هذا الانطباع الأولي الزائف سرعان ما يتحطم، بعد دقائق من المتابعة لهم، حيث يكتشف المرء أنهم جميعاً وبلا استثناء تقريباً، لا يفعلون شيئاً سوى الترويج و”الإفتاء” فيما لا يعلمون عنه شيئاً، وفي كل شيء أيضاً بلا استثناء تقريباً. يتجرأ هؤلاء بلا حياء أو تردد على الحديث في كل المجالات والموضوعات، اقتصادية وسياسية واجتماعية وطبية وهندسية وزراعية وغذائية وعسكرية وأمنية وسياسات داخلية وأخرى خارجية، وغير هذا من الشؤون المتنوعة التي تتكون منها الحياة في مصر، والتي لا يكادون يلمون ولو بجزء هزيل من المعرفة الحقة حولها. ويفيض هؤلاء في شروحاتهم وتفسيراتهم، التي تلتحف وتختلط بأكاذيب وتحريضات وشائعات، كلها تتجه لهدف واحد وهو هز الثقة في نظام الحكم بمصر.
إننا بالفعل إزاء “الموسوعيين الجدد” الذين ينتحلون الصفة ويزيفون الواقع ويشوهون العلم والمعرفة الموسوعية الحقيقيين، وليس لديهم منهما حتى القشور الهشة التي يمكن لها أن تغطي عوراتهم العلمية والمعرفية.
في النهاية: اعتذار واجب للموسوعيين من كل بلدان العالم، القدامى منهم والمعاصرين، خاصة أبناء حضارتنا الإسلامية – العربية، لوضعهم ضمن السطور السابقة في سياق واحد مع أولئك المنتحلين، وربما يغفر هذا لنا أنها فقط محاولة لتحليل ذلك “الزبد الذي سيذهب جفاء”، وفصله التام عما ينفع الناس ويمكث في الأرض.