إعلام الإخوان.. قصور القراءة وفشل الدعاية
في مقال سابق لتحليل مضمون إعلام الإخوان الموجه من خارج مصر، أشرنا إلى وهْمٍ سيطر عليهم طوال 9 سنوات تلت سقوط حكمهم، وصل إلى حد الهاجس المرَضي أو الوسواس النفسي الذي لا يملّون تكراره.
وهذا الوسواس يتلخص في قراءتهم لكل ما شهدته مصر طوال الأعوام التسعة ومنذ بدايتها باعتباره خطواتٍ واضحةً لقرب السقوط الوشيك لنظام الحكم المصري!
ولا يعكس هذا الهاجس فقط نوعا من المرض النفسي، كما أشرنا في المقال، ولكن يبدو أن استغراق القائمين على إعلام الإخوان، من أعضاء جماعتهم و”الملتحقة” بهم فيه، يمكن تفسيره أيضا بتبنّيهم استراتيجية “الإلحاح والترويج” المقصودَين لفكرة قرب سقوط النظام المصري أو سيره في هذا الاتجاه.
ويستخدم إعلام الإخوان هذه الاستراتيجية لتحقيق هدفين سياسيين رئيسيين للجماعة:
الأول، هو محاولة منح الثقة للمتبقين من أعضائها وقواعدها الموجودين في مصر ليواصلوا العيش بهذا الأمل، فيواصلوا بدورهم إعادة ترويج الفكرة والإلحاح عليها في الأوساط المجتمعية، التي يعيشون داخلها، في محاولة لزعزعة وهز الثقة بالدولة المصرية، سعيًا منهم لإسقاطها.
ويتمثل الهدف الثاني السياسي لتبني إعلام الإخوان فكرة القرب الوشيك لسقوط الحكم في مصر، في تحويلها لفرضية رائجة ومتبناة في الأوساط المعنية المهمة في الدول الغربية، سواء كانت أمريكية أو أوروبية.
وتتشكل هذه الأوساط من وسائل الإعلام الرئيسة، ومراكز البحوث والدراسات الكبرى المعنية بدراسات العالم العربي والشرق الأوسط والشؤون السياسية، والمنظمات المؤثرة عالميا، المتخصصة في مجالات حقوق الإنسان، والمجموعات البرلمانية المتنوعة وجماعات الضغط المؤثرة في اتخاذ القرار في مختلف نظم الحكم الغربية.
ويهدف هذا الترويج للفكرة في هذه الأوساط الغربية إلى دفعها لإعادة تبنّيها الضغط على الدولة المصرية في كل هذه المجالات، لخلخلة توازنها والتأثير السلبي المباشر في مصالحها الحيوية.
كذلك يعوّل الإخوان على أن تبنّي تلك الأوساط المعنية المهمة في الدول الغربية هذه الفكرة الزائفة المصطنعة منفصلة عن الأصل الإخواني لها، سيزيد من وجاهتها وصدقيتها، ومن ثم يزيد الترويج لها في أوساط أخرى معنية ومهمة مناظرة على المستوى العالمي، الأمر الذي يزيد -بحسب توهم إعلام الإخوان- من الضغوط على الدولة المصرية.
ومن الواضح والمؤكد أن تبني إعلام الإخوان هذه الفكرة الزائفة المصطنعة ليس فقط هاجسا نفسيا مرَضيا ولا استخداما لاستراتيجية “الإلحاح والترويج”، ولكنه يعكس أيضا قصورا فادحا وهيكليا لديهم في الرؤية والتحليل.
فتلك الفكرة الزائفة مبنية على التفاصيل والمواقف الجزئية المحدودة، التي تحدث في مصر، وليس على قراءة المسار والتطورات الرئيسة بها منذ ثورة 30 يونيو 2013 في صورتهما الإجمالية.. فقراءة ما جرى في مصر من حينها وحتى اليوم، يوضح أن هناك خطوطا أربعة رئيسة قد حفرت بعمق واستقرت في الواقع المصري، وسوف تمتد على الأرجح في المستقبل المنظور.
وأول هذه الخطوط هو أن الإخوان في مصر بجماعتهم وحلفائهم قد تحولوا نهائيا في الوعي الشعبي المصري، وبالقطع داخل كل قطاعات الدولة، إلى كابوس أسود لا توجد أي إمكانية واقعية من أي نوع لعودتهم، سواء في المدى المتوسط أو البعيد، ليس لقيادة البلاد، بل ولمجرد الوجود شرعيا فيها.. وهو خط رئيسي لا يُجدي معه الإنكار أو النفي.
وثاني هذه الخطوط الكبرى هو أن الدولة بقيادتها السياسية العليا قد خاضت داخليا، وعلى الصعيد الاقتصادي خصوصا، كل الاختبارات الخطرة وخرجت منها آمنة، وإنْ تأثرت شعبيتها بعض الشيء، والتي لم تجرؤ النظم السياسية السابقة على الاقتراب منها.
ويبدو ثالث الخطوط الكبرى متمثلا في استعادة الدولة بمختلف قطاعاتها القوة والعافية مرة أخرى، حتى لو ترافق مع هذا بعض الملاحظات على بعض من أدائها، إلا أن حضورها في المجتمع بات لا شك فيه بعد أن اقتربت من الانهيار التام قبل تسع سنوات.
ويظهر رابع الخطوط الكبرى وآخرها على الصعيد الدولي، حيث نجحت مصر في نسج شبكة هي الأوسع لعلاقات مصر الخارجية في تاريخها الحديث، تقوم بصورة كبيرة على تبادل المصالح الكبرى وتتسم بالتعاون الوثيق والندية والتنوع الجغرافي والسياسي، ما يعكس الاعتراف الكامل بشرعية الحكم الحالي في مصر واعتباره من أبرز دعائم الاستقرار والسعي إليه في العالم العربي والشرق الأوسط.