ادانة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير والتحفظ عليه في دار للاصلاح الاجتماعي
قضت محكمة في الخرطوم السبت بالتحفّظ على الرئيس السوداني السابق عمر البشير في “دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين” بعد إدانته بالفساد في واحدة من عدة قضايا ضده منذ أطاحه الجيش تحت ضغط الشارع.
وترتبط التهم بملايين الدولارات التي تلقاها الرئيس السابق، الذي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود، من السعودية.
وأدين البشير البالغ 75 عاما بـ”الثراء الحرام” و”التعامل بالنقد الأجنبي”، بعد أشهر من إطاحة الجيش به في 11 نيسان/ابريل الفائت. وتصل عقوبة التهمتين عادة الى السجن لنحو عشر سنوات.
ومثل البشير أمام المحكمة السبت داخل قفص حديد وبالزي السوداني التقليدي — الجلابية البيضاء والعمامة. والرئيس السابق الذي وصل إلى السلطة أثر انقلاب في 1989، معتقل منذ نيسان/ابريل الماضي في سجن كوبر في الخرطوم.
وصرّح القاضي الصادق عبد الرحمن الذي ترأس محكمة “خاصة” لمحاكمته “بما أن المدان تجاوز السبعين عامًا (…) ولا يجوز إيداعه السجن، قررت المحكمة إرساله لدار الإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”.
وتابع أن البشير سيقضي عقوبته بعد صدور الحكم في قضية أخرى اتهم فيها بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي أدت لعزله.
وقررت المحكمة أيضا مصادرة 6,9 ملايين يورو و351,770 دولارا و5,9 ملايين جنيه سوداني (128 ألف دولار) وجدت في منزله.
وأشاد “التحالف الديموقراطي للمحامين”، التابع لتجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، بالقرار الذي صدر عن المحكمة. لكنه شدد على أنه “قطعاً ليس نهاية المطاف، فصحائف اتهام البشير على موبقاته الأكبر تعمل عليها عدد من اللجان والنيابة العامة في مراحل مختلفة”.
من جهته، قال أحد محامي الرئيس السابق أحمد ابراهيم الطاهر للصحافيين خارج القاعة “سوف نستأنف الحكم (أمام) محكمة الاستئناف والمحكمة العليا على الرغم من أن ثقتنا بالقضاء اهتزت”.
وعلى مقربة من المحكمة، تجمع عشرات من أنصار البشير وهم يحملون صورة له ويهتفون “لا إله إلا الله”.
وشارك مئات في تظاهرة أخرى نظّمت في الخرطوم وسط حراسة مشددة رفع خلالها محتجون لافتات تقول “تسقط تسقط الحكومة”، قبل أن يتفرقوا.
ويحكم السودان اليوم مجلس سيادي يضم عسكريين ومدنيين يتولى الإشراف على الانتقال إلى سلطة مدنية.
وبالتزامن مع تطورات السبت، أعلنت السلطة الانتقالية في السودان حل مجالس النقابات والاتحادات المهنية التي تأسست في عهد الرئيس السابق — احد مطالب الحركة الاحتجاجية التي أطاحته.
واعترف البشير بحصوله على تسعين مليون دولار من حكام السعودية. وتتركز القضية التي صدر الحكم فيها السبت على 25 مليون دولار تلقاها من ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
وأشار البشير إلى أن المبالغ التي ضبطتها السلطات هي ما تبقى من مبلغ الخمسة وعشرين مليون دولار وأن الأموال جزء من علاقة السودان الاستراتيجية مع السعودية ولم يستخدمها “لمصلحة خاصة وإنما تبرعات لجهات وأفراد ودعم لشركات تستورد القمح”.
وقبل صدور الحكم، قال محمد الحسن الأمين أحد محامي البشير للصحافيين إن فريق الدفاع عن الرئيس السابق مقتنع بأن القضية ليست قضائية وإنما “سياسية”.
– اتهامات أخطر –
ولا صلة لهذه المحاكمة بالاتهامات بارتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي يواجهها البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق البشير لدوره في النزاع الذي اندلع في دارفور عام 2003 عندما حملت السلاح مجموعات تنتمي لأقليات ذات أصول إفريقية ضد حكومة الخرطوم التي ناصرتها القبائل العربية بدعوى تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.
وردت الخرطوم باستخدام مجموعات اعتمدت سياسة الأرض المحروقة ضد من تعتقد أنهم يناصرون المتمردين “عبر حرق القرى ونهب المملكات واغتصاب النساء”، وفق مجموعات حقوقية.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لدوره في النزاع الذي خلف وفق الأمم المتحدة 300 ألف قتيل وشرد 2,5 مليون شخص.
وعقب إطاحة البشير، طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من السلطات الجديدة تسليمه.
لكن السلطة الانتقالية التي شكلت في ايلول/سبتمبر الماضي لا تزال ترفض ذلك.
وأكد “تحالف الحرية والتغيير” الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، والذي يحتفظ بتمثيل كبير في المجلس السيادي الذي بات أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، أن لا اعتراض لديه على تسليم البشير الى الجنائية الدولية.
ويقتضي تسليم البشير أن تصادق الحكومة الانتقالية المشتركة التي تشكلت بموجب اتفاق تم التوصل اليه في آب/أغسطس على ميثاق روما الذي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجبه.
لكن السودان ملزم قانونيا بتوقيفه لأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية جرى بتفويض من الأمم المتحدة والسودان عضو فيها.
وإلى جانب قضية الفساد واتهامات المحكمة الجنائية الدولية، يفترض أن يحاكم البشير بتهم أخرى أمام قضاء بلده.
ففي الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت السلطات السودانية اجراءات قانونية ضد البشير وبعض مساعديه لدوره في انقلاب 1989 الذي أوصله الى السلطة بدعم من الإسلاميين.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلن النائب العام السوداني أن بلاغا قدم ضد البشير بتهمة قتل متظاهرين أثناء الاحتجاجات، بدون أن يذكر متى ستحال القضية على المحكمة.