استبعاد تونس من مؤتمر برلين.. لا مكان للرماديين
أمين بن مسعود
نص بلاغ رئاسة الجمهورية التونسية والصادر مساء الاثنين الماضي، والذي تطرّق إلى المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس التونسي قيس سعيد والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لم يعرّج، لا من قريب ولا من بعيد، على مؤتمر برلين حول ليبيا ولم يلق الضوء أيضا على إمكانية دعوة الدولة التونسية لهذا المؤتمر الدولي المهم.
تصريح المكلفة بالإعلام والاتصال رشيدة النيفر في وقت لاحق من ليلة الاثنين، قطع الشكّ باليقين، حيث أكدت أن تونس ليست مدعوّة لمؤتمر برلين المزمع عقده نهاية يناير الجاري، وأن المكالمة الهاتفية أساسا كانت حول دعوة الرئيس قيس سعيد لزيارة ألمانيا ومزيد تنسيق الجهود الثنائية لحل المسائل الإقليمية وعلى رأسها القضية الليبية.
إذن فكل المؤشرات تؤكد أن تونس الدولة الجارة لليبيا والبوابة الغربية لها، ستكون خارج حسابات القائمين على المؤتمر الدولي.
المُفارقة أنه في الوقت الذي تتبوأ فيه تونس المقعد غير الدائم في مجلس الأمن، وفي الوقت الذي تضع فيه الدبلوماسية التونسية الملف الليبي على رأس أولويات عملها ضمن عهدتها بمجلس الأمن، يأتي الاستبعاد الألماني لتونس من مُؤتمر برلين.
الاستفسار الذي يجب أن يُطرح في هذا السياق، ما الأسباب العميقة التي أدت إلى استبعاد تونس من المؤتمر الدولي حول ليبيا والذي تهمنا مُخرجاته السياسية والعسكرية والاقتصاديّة، باعتبار أن أيّ فعل في الجغرافيا الليبية سيكون له أثر على المشهد التونسي. هل الأمر مرتبط بالدعوة التركية لتشريك تونس في المؤتمر، فإن كان الأمر كذلك فلماذا تمت دعوة الجزائر وهي من العواصم التي حرصت أنقرة على ضمها للمؤتمر مع تونس وقطر؟
لا يُمكننا أن نُجيب عن هذا التساؤل دون بحث عميق في رهانات المؤتمر وراهنية السياق الإقليمي.
أمّا رهانات المؤتمر الضمنية والمعلنة فهي متعلقة بعنوانين بارزين. الأول التفاهم على تسوية سياسية في البلاد تسكت فوهات البنادق بين الوكلاء، والثاني التفاهم على تقاسم نفوذ حقيقي يُرضي غالبية الأطراف الإقليمية المتدخلة ويدفعها إلى تسليط الضغط داخليا نحو الهدنة الجزئية أو الشاملة.
راهنية المؤتمر، بمعنى الأحداث الحاصلة، متجسدة في التدخل التركي العسكري المُعلن، وفي توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة فايز السراج، إضافة إلى إعلان القاهرة عن اجتماع تنسيقي يضم وزراء إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص اليونانية.
وما بين الرهانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، قوى إقليمية ودولية تتصارع على تقاسم الطاقة من الغاز الطبيعي في البر والبحر، وتتناحر حول الجغرافيات المتغيّرة ومربعات السيطرة، وتتقاتل حول بيضة قبان المتوسّط، بكافة السبل الشرعية منها وغير الشرعية.
وما دعوة برلين إلى الجزائر، إلا عقب مؤشرين كبيرين أرسلتهما الجزائر بكل وضوح. الأوّل خطاب تنصيب الرئيس عبدالمجيد تبون والذي أكّد أنّ بلاده لن تقبل باستبعادها من أيّ مؤتمر دولي حول ليبيا. والثاني تحميل الجزائر من خلال خطابها المباشر وغير الرسمي أيضا، الأمم المتحدة مسؤولية إعلان وقف لإطلاق النار في البلاد خاصة وأنّها تعتبر العاصمة طرابلس خطا أحمر.
وما بين التصريحين، رسائل جزائرية سياسية كبرى أنها لن ترضى بتغييبها في مؤتمر دولي على غرار مؤتمر برلين واجهته التسوية ووجهته تقاسم الثروات الباطنية وعلى رأسها الغاز الطبيعي، درّة تاج الاقتصاد الجزائري.
مؤتمر برلين سيجمع القادرين على خوض الحرب وعلى الصبر على تكاليفها المادية واللوجستية والسياسية، وسيضمّ المؤهلين على التأثير في مسارات المعارك ومصير الثروات وفي خطّ مسار المقاتلين من الجبهتين، وسيُجلس على طاولته الراضين بتقاسم النفوذ واقتسام الكعكة الكبيرة من الغاز الطبيعي إلى النفط. أمّا القابلون بحدود الحياد وبحد رمادية الموقف والموقع، فلا مكان لهم في طاولة النافذين والمتنفذين، ولا مكانة لهم لا في الحرب ولا في السلم.
في مؤتمر برلين يضع الفاعلون أوراق التسوية السياسية والعسكرية وأصابعهم على الزناد، فلا فرق لديهم بين فنادق السلام وخنادق الاحتراب، إلا بما تكشفه الطبخة من حصص في الثروات وحصة في تأمين الموقع الاستراتيجي.
هكذا كان الأمر في سوريا، من مسلسل جنيف إلى سوتشي، وهكذا أيضا كان الأمر في لبنان عام 2006، وهكذا هي لُعبة الأمم بعيدا عن خطاب دعم الشرعيات أو الحياد الذي يبقى دائما حيلة من لا أثر له في الحرب ولا ثمار له في السلم.
ويبدو أنّ تونس اختارت أسوأ المسلكيات على الإطلاق؛ تحمّل التكاليف الإنسانية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للحرب دون مشاركة فيها، والاستبعاد من كافة مغانم التسوية دون تشريك لها في مسارات التفاوض والتفاهم.