استسلام الاتحاد الأوروبي لتركيا
في ضوء حقيقة أن الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان الأوروبي قد دعوا قبل أسبوعين إلى فرض عقوبات صارمة على تركيا، إلا أن تقاعس المجلس الأوروبي عن فعل شيئ يعتبر تنازلاً مخجلاً عن المسؤولية.
وكما أشرت في “جيروزاليم بوست” بعد الغزو التركي لشمال شرق سوريا في أكتوبر 2019، كان رد الاتحاد الأوروبي أشبه برد فعل حصان السيرك الذي يحرك أرجله الأمامية في اتجاه واحد والخلفية في اتجاه آخر.
“تبدأ افتتاحية الاتحاد الأوروبي. حيث يشير المجلس الأوروبي إلى أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ومؤسساته كلها ملتزمة بتعزيز واحترام القيم التي تأسس عليها الاتحاد، بما في ذلك سيادة القانون”.
بعد مناقشة الميزانية ووباء كورونا وتغير المناخ والأمن، تحول اهتمام المجلس إلى القضية الشائكة المتمثلة في عدوان تركيا في شرق البحر المتوسط. ثم اتخذ المجلس خطوة إلى الأمام ولكنها منقوصة كونه تراجع وعاد إلى استنتاجات قمة أكتوبر، من خلال الإشارة إلى قراره قبل عام واحد، وهو تجنب المواجهة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حث في وقت سابق الاتحاد الأوروبي على استعادة سيادته العسكرية، لكن تم تجاهل ذلك. وبدلاً من ذلك، يفضل الاتحاد الأوروبي الانتظار والاستماع إلى الموقف الذي ستتخذه الإدارة الأميركية الجديدة.
الفائز الواضح هنا هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكما كان متوقعًا، استجاب الاتحاد الأوروبي لنداء صفارات الإنذار التركية للحوار، وكما حث المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين، “اختاروا النظر إلى العلاقات مع تركيا من خلال (عقلية استراتيجية) وعدم تشتيت الانتباه (بالنزاعات الثنائية). “
ومع ذلك، كانت الكثير من دول الاتحاد الأوروبي مدفوعة بالتفكير في مصالحها الشخصية.
وكما أشارت صحيفة “دي فيلت”، استثمرت البنوك الإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية أكثر من مئة مليار دولار في تركيا ومن الواضح أنها غير مهتمة بقطع العلاقات مع تركيا. وتم التراجع عن إعلان “ميد 7” للتضامن مع قبرص واليونان والدعوة إلى اتخاذ تدابير تقييدية في أجاكسيو في سبتمبر في مواجهة الواقع الاقتصادي.
وقد نصح مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى سوريا، جيمس جيفري، المحاصر بين سياسة الاسترضاء التي ينتهجها رئيس الدولة تجاه تركيا والدعم الأميركي الناجح لحملة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد ضد تنظيم داعش، إدارة بايدن الجديدة بقوله “أن أردوغان لن يتراجع حتى تكشّر له عن أنيابك”. وسيكون من الحكمة أن تأخذ إدارة الاتحاد الأوروبي غير المتحمسة هذا الأمر كنصيحة مهمة.
وفي إطار الاتحاد الأوروبي، لعب ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دور الشرطي السيئ والشرطي الجيد بالنسبة تركيا، على التوالي. ففرنسا هي الدولة التي ترسل السفن الحربية وطائرات رافال المقاتلة للحد من توسع أردوغان في شرق البحر المتوسط، بينما تزود ألمانيا تركيا بالأسلحة، بما في ذلك الدبابات والغواصات، لتحقيق أغراضها.
لذلك، ليس من المستغرب أن يرى وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أن حظر الأسلحة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على تركيا “غير صحيح من الناحية الاستراتيجية”.
وكانت أنجيلا ميركل هي التي تدخلت في يوليو لتفادي حدوث صدام بين اليونان وتركيا على جزيرة كاستيلوريزو اليونانية الصغيرة قبالة الساحل الجنوبي لتركيا. وكانت أنجيلا ميركل هي من دعت في قمة الاتحاد الأوروبي في أكتوبر إلى إقامة “حوار بناء” و “أجندة إيجابية” مع تركيا. وكانت أنجيلا ميركل هي التي كبحت في قمة ديسمبر أي تهديد بفرض عقوبات فعالة.
وبعد قمة الاتحاد الأوروبي في أكتوبر، خاطب الرئيس أردوغان المستشارة الألمانية في مؤتمر عبر الفيديو ودعاها إلى عدم التضحية بمصالح أوروبا الكبرى من أجل مصالح بعض من الدول الأعضاء. وفي مكالمة مع ميركل بمناسبة عيد الميلاد، شدد أردوغان على رغبة تركيا في “فتح صفحة جديدة” في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ووضع المستشارة في فئة “القادة ذوي البصيرة” الذين يرغبون في تعزيز أجندة تركيا.
كما حث أردوغان الاتحاد الأوروبي على تحديث الاتفاقية التي تم التوصل إليها في 18 مارس 2016، والتي، بالإضافة إلى التعامل مع أزمة اللاجئين، عرضت احتمالات تحرير التأشيرات ورفع مستوى الاتحاد الجمركي للكتلة.
ولتجنب حدوث تصادم، وافق الاتحاد الأوروبي على إنفاق 465 مليون يورو أخرى بالإضافة إلى الستة مليارات التي تم الاتفاق عليها بالفعل لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا.
وفي أغسطس 2015، قامت ميركل بفتح أبواب أوروبا أمام اللاجئين ودعت الجماهير المحتشدة في الشرق الأوسط بقولها “نعم، يمكننا القيام بذلك”. لكنها عندما أدركت حجم الكارثة، هرعت إلى إسطنبول لإصلاح الأضرار.
وقبل فترة وجيزة من الانتخابات التركية في نوفمبر من ذلك العام، جلست ميركيل مع أردوغان في قصر يلدز وعرضت عليه العرض الكامل: ثلاثة مليارات يورو نقدًا، والسفر بدون تأشيرة، وتجديد محادثات الانضمام للاتحاد. وبعد جلسة طوال الليل مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في مارس التالي، رفعت العرض إلى ستة مليارات.
والآن أوقع الرئيس أردوغان ميركيل في مازق.
لكن رد فعل تركيا، حيث ترى تركيا الآن مستقبلها في أوروبا وليس في أي مكان آخر، مدفوع بالضرورة المطلقة وفشل أردوغان من الناحية الاقتصادية.
قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن سجن الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، منذ نوفمبر 2016 “كان وراء الهدف الخفي السائد المتمثل في خنق التعددية والحد من الحرية السياسية، التي تعتبر من صميم مبادئ المجتمع الديمقراطي”، ودعا إلى إطلاق سراحه.
يظهر رد فعل الرئيس أردوغان وانفعاليته أنه لن يستطيع تغيير شخصيته مهما حاول هو ذلك.
الأوبزرفر العربي