اسطنبول ساحة لتصفية الحسابات بين أجهزة المخابرات
دعت إسرائيل، الإثنين الماضي، من مواطنيها المتواجدين في الأراضي التركية، إلى المغادرة “في أسرع وقت ممكن”، وذلك بعد يوم واحد من إعلان السلطات الإسرائيلية إحباط “مخطط إيراني” لاختطاف سياح إسرائيليين في تركيا الشهر الماضي.
دعوة إسرائيل لمواطنيها لمغادرة تركيا سريعا بسبب تهديدات إيرانية جدية تشمل الخطف والاغتيال، إلى الواجهة اسطنبول كساحة لتصفية الحسابات لتدفع المدينة ذات الكثافة السكانية العالية والواقعة على البوسفور ثمن موقعها الفريد.
وعلى الرغم من العديد من كاميرات المراقبة العامة والخاصة، تظل مدينة اسطنبول عملاقا “ضخما لا يمكن السيطرة عليه”، كما يقول عالم الجغرافيا الفرنسي جان فرانسوا بيروز، المطلع على الوضع في المدينة.
وكر الجواسيس
ومع سكانها البالغ عددهم 17 مليون نسمة وامتدادها عبر قارتين على أبواب الشرق الأوسط والقوقاز، ترقى اسطنبول إلى مستوى سمعتها باعتبارها وكرا للجواسيس.
ويقول بيروز إنه “منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأولى، يتيح اتساع المدينة لمختلف أجهزة الاستخبارات تعقب خصومها وإخفاء هوية عملائها”.
ومن بين المجتمعات العديدة التي تعيش على شواطئ البوسفور، فإن الإيرانيين المقيمين رسميا فيها وعددهم نحو 113 ألفا هم من بين الأفضل تمثيلا. كما أنهم أفضل مشتري العقارات وإن تجاوزهم الروس منذ أبريل.
160 ألفا إسرائيلي زاروا تركيا خلال 4 أشهر
وفي بداية موسم الصيف، كان للأمر وقعا سيئا على تركيا التي تواجه أزمة اقتصادية حادة وتضخما متسارعا. ويقول حميد كوك عضو إدارة اتحاد وكلاء السفر، إن السياح الإسرائيليين ليسوا الأكثر عددا، لكن نحو 160 ألفا منهم زاروا تركيا في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة.
وردت أنقرة الثلاثاء في بيان صادر عن وزارة خارجيتها بأن “تركيا بلد آمن وتواصل محاربة الإرهاب داخل وخارج حدودها”.
وإن لم يذكر إسرائيل بالاسم، يأتي البيان ردا على التحذيرات المثيرة للقلق لوزير خارجية إسرائيل يائير لبيد، خاصة وأن الصحافة الإسرائيلية تحدثت بالتفصيل أحيانا عن محاولات اعتداء على سياح إسرائيليين في اسطنبول، أحبطت بفضل تعاون الأجهزة التركية والإسرائيلية.
ويقول خبراء إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الإيرانيون تصفية حساباتهم على الأراضي التركية. وينوه سافاش بورغام الصحافي والباحث الإيراني المقيم في تركيا، إلى أن “الإيرانيين ينفذون عمليات اغتيال وخطف على الأراضي التركية طوال الوقت، لكنهم يستهدفون عموما المعارضين الإيرانيين”.
وأضاف أن بمهاجمة الإسرائيليين، ستسعى إيران لتحقيق هدفين “تنفيذ أعمال انتقامية ردا على اغتيال مسؤول إيراني مدني أو عسكري” أو الخطف بهدف المساومة.
وفي فبراير الماضي، حالت الاستخبارات التركية دون اغتيال رجل الأعمال التركي الإسرائيلي يائير غالر على يد الإيرانيين. وكان سيمثل موته انتقاما لمقتل محسن فخري زاده، أحد مهندسي البرنامج النووي الإيراني الذي اغتاله جهاز الموساد في نوفمبر 2020.
منافسة بين أجهزة الاستخبارات
العلاقات لا تبدو جيدة حاليا بين طهران وأنقرة كما يقول نهاد علي أوزجان، الضابط السابق في الجيش التركي وأستاذ القانون والمحلل الذي يتحدث عن “منافسة شديدة” بين أجهزة استخبارات البلدين، مذكّرا تركيا تعمل على تغيير تحالفاتها في الشرق الأوسط من خلال التقرب من الإمارات والسعوديين وكذلك إسرائيل.
وإضافة إلى ذلك فهي “تنشط في شمال العراق إلى جانب عشيرة البرزاني (الكردية) ضد حزب العمال الكردستاني وحلفائه الشيعة” الذين يحظون بدعم من طهران.
ونفذت تركيا عملية في شمال العراق منتصف أبريل الماضي استهدفت قواعد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون على أنه حركة “إرهابية”.
ويهدد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، بالتدخل ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا لتأمين حدوده، الأمر الذي يثير استياء طهران حليفة دمشق.
ويقول أوزجان “منذ الثورة الإيرانية قبل 40 عاما، تنشط إيران في تركيا حيث تحتفظ أجهزتها بالعديد من الخلايا”، مضيفا أنه بالمثل “حتى في حالة توتر العلاقات السياسية، تتعاون الأجهزة الإسرائيلية والتركية من وراء الكواليس وتتبادل المعلومات”.
ويذكر بأن تركيا تظل في نهاية الأمر منطقة حساسة لجميع أجهزة الاستخبارات في المنطقة: الإيرانية والإسرائيلية والروسية وحتى الأوكرانية. ووجود كل أجهزة مكافحة الإرهاب هذه يفتح الباب أمام “العديد من المشكلات المحتملة”.