اعتراف نادر لأحد قيادات الجماعات الإسلامية
مناهج حركة “الإخوان” عجزت عن صناعة قادة سياسيين
اعتراف نادر أدلى به الأمين العام السابق للحزب الإسلامي في العراق أسامة التكريتي، بشأن عجز مناهج حركة “الإخوان” عن صناعة قادة سياسيين، شكل مادة للمراجعة والتذكير بسلسلة الإخفاقات التي عانت منها البلاد تحت وطأة أحزاب الإسلام السياسي منذ العام 2003.
وبعد غيبة طويلة عن الإعلام، ظهر التكريتي في مؤتمر الإخوان العام، الذي انعقد في إسطنبول منتصف الشهر الجاري، ليعلن أن “مناهج الإخوان حتى الآن عاجزة عن أن تخرج سياسيين”، معتبرا أن “هذا قصور ينبغي أن ننتبه له ونستعد لتجاوزه”.
ويبدو أن التكريتي، يستلهم فشل الحزب الإسلامي في الحفاظ على مكتسباته السياسية في العراق بعد 2003. فبعدما كان أحد أهم ممثلي المكون السني، وهيمن على المناصب السياسية والتنفيذية الأهم في حكومات المحاصصة التي تشكلت بعد إسقاط نظام صدام حسين، خسر الحزب كل شيء تقريبا، حتى تحوّل إلى ورقة محترقة، يحاول الجميع النأي عنها.
ويشرح التكريتي كيفية فشل الحزب في صناعة ساسة يمثلونه في العملية السياسية العراقية، قائلا “لا يمكن أن نأتي برجل من الشارع لنعلمه السياسة”، مشيرا إلى أن “السياسي يحتاج إلى أصول وقواعد، كي نضمن أنه لا يبيعنا غدا”.
وبدا التكريتي براغماتيا إلى حدّ بعيد وهو يتحدث عن أن السياسي، أي سياسي، يجب أن يكون مستعدا للكذب والنفاق، بغض النظر عن خلفيته الدينية.
ويقول إن “قوة العقيدة، هي أساس هذا العمل (السياسي).. ولكن هذا الأمر يشبه الدراسة الجامعية، التي تبدأ عامة، ثم تتحول إلى التخصص”. وعليه بالنسبة للتكريتي، فإن السياسي الإخواني يجب أن ينطلق من “مبدأ شرعي أولا”، لكن “عليه أن يتدرب على المفاوضات والمناورات والكذب والنفاق وكيفية دخول الملاهي الليلية”. وأضاف أن “هذا تدريب طويل الأمد وصعب. ولكننا يجب أن نصل إليه، ولو بعد حين”.
وسلط التكريتي الضوء على جانب من قواعد العمل السياسي المتبعة في العراق منذ 2003، في ما يتعلق ببيع وشراء السياسيين والمسؤولين بين الأحزاب، وقال “حدث معنا.. عين أحد أعضاء الحزب الإسلامي وزيرا في الحكومة العراقية، ثم طلقنا وتزوج غيرنا”.
ويبدو أن التكريتي كان يشير إلى رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، الذي ترشح إلى هذا المنصب عبر قنوات الحزب الإسلامي، وعندما حصل على مبتغاه تحول إلى تشكيل حزب جديد.
وفي العادة، لا تصدر مثل هذه الاعترافات عن قادة وزعماء الأحزاب المغلقة في العراق، ذات الخلفيات الإسلامية، على غرار حزب الدعوة والمجلس الأعلى وغيرهما، حتى أن الانشقاقات التي تقع داخل هذه الأحزاب تبقى طي الكتمان، لذلك شكلت تصريحات التكريتي مجالا للمراجعة.
ويقول السياسي العراقي المناهض للنفوذ الإيراني في العراق ناجح الميزان، إن “التكريتي نطق بالحق، فالحزب الإسلامي شارك ولا يزال في الدمار الذي أصاب العراق”.
وأضاف الميزان أن “قادة الحزب الإسلامي يجاهرون بشراكتهم الاستراتيجية مع إيران، ويفخرون بها، برغم أن الإيرانيين مسؤولون عن تدمير العراق”، مشيرا إلى أن “إيران مسؤولة عن الدمار والاختطاف والتغييب في مناطق العراق السنية، ومسؤولة عن نشر المخدرات والجهل في المناطق الشيعية”.
وتابع “يبدو أن التكريتي يريد أن يتبرّأ من هذا الواقع”، مضيفا “ليكون صادقا، عليه أن يكشف أسرار تحالفات الحزب الإسلامي في العراق خلال السنوات الماضية”، فيما دعا “شباب الحزب الإسلامي والمغفلين المقتنعين بهذا الحزب إلى أن يسمعوا جيدا لهذه الاعترافات”.
ويرى ساسة عراقيون جربوا العمل مع أحزاب إسلامية، أن تجربة الإسلام السياسي العراقي أثبتت فشلها، داعين إلى مغادرتها.
ويجمع مراقبون على أن النقد الذي يوجه إلى “إخوان العراق” يمكن أن يوجه إلى الجماعة الإخوانية في مختلف أنحاء العالم العربي بعد فشل مشروعها السياسي الذي تمزق في ظل صراع مسكوت عنه بين الجماعات الإرهابية.
ويقول السياسي المنشق عن الحزب الإسلامي عمر عبدالستار، الذي سبق أن أعلن أنه “خرج من الإخوان ودخل إلى الإسلام” إن “عقلية الإخوان في القيادة مهتمة فقط بالبقاء، بغض النظر عما إذا كان اتجاه الناس إلى اليمين أو اليسار، وهو ما يحاول التكريتي أن ينتقده، على ما يبدو”. وأشار إلى أن “الخروج من هذه العقلية الإخوانية هو دخول في الإسلام”.
ويتفق عبدالستار مع الميزان بشأن التحالف بين الإخوان وإيران، مؤكدا أنهما “وجهان لعملة واحدة”.
وتابع معلقا على اعتراف التكريتي “بأن نموذج الإخوان العقلي والعملي سقط فعليا، ولن يعود مهما حاولت القيادة فعله، إلا إذا اعترفت بسقوط هذا النموذج وهزيمته التاريخية”.
ويضيف أن “الدين علم، لا سياسة أو جماعات وأحزاب”، مشيرا إلى أن “ربط الدين بالسياسة سيجبره على الصعود معها والنزول معها”.
وتابع أن “أفضل من يجب أن يحصل للدين هو فصله عن السياسة والدولة، كي ينتشر، فالدين موضع إجماع، بينما السياسة ليست كذلك”.
واعتبر الكاتب العراقي فاروق يوسف “لو لم يكن أسامة التكريتي سياسيا سابقا لما نطق بكلماته التي هجا من خلالها عالم السياسة مركزا على تجربته زعيما إخوانيا. فغالبا ما يقول السياسيون الحقيقة بعد تقاعدهم أو هزيمتهم”.
واستبعد يوسف في تصريح أن تحدث تصريحات من ذلك النوع تأثيرا لافتا في الوضع السياسي في العراق. ذلك لأن المفاصل الأساسية في العملية السياسية تُدار بتقنية التحكم عن بعد، بعد أن استطاعت إيران أن تخترع لها ممثلين في الجانب السني الذي لم يكن ضعيفا في أي مرحلة سابقة مثلما هو اليوم. وقال “إن ذلك الجانب لم يلعب دورا إيجابيا في تطوير العملية السياسية بل ظل محتميا بغطاء طائفي عمل السياسيون السنة في ظله على رعاية مصالحهم والحفاظ على حصصهم. وهو ما كان أحد أسباب الانهيار الذي عانت منه المناطق ذات الأغلبية السنية”.
واتخذ العمل السياسي في العراق ومنذ سنة 2003 من “الدين” غطاء له من أجل ترسيخ أسس النظام الطائفي القائم على مبدأ المحاصصة بين الأحزاب، لذلك لم تجد الجماعة الإخوانية في العراق أمامها الباب مفتوحا لدخول العملية السياسية إلا من خلال تسويات مذلة، عبر عنها بشكل صارخ سليم الجبوري رئيس البرلمان السابق الذي اعتبر في حينه واحدة من الواجهات السنية لسياسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وإذا ما كانت الجماعة الإخوانية قد ذابت في الكتل السياسية السنية فلأن رموزها قد فضلوا الانخراط في عملية تقاسم الغنائم بدلا من العمل السياسي الحقيقي.