الأطماع التركية في سوريا تتجاوز الجغرافيا والتهديدات الأمنية
الخارطة التركية الجديدة للشمال السوري
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الهجوم الذي تخطط له أنقرة في شمال سوريا “قد ينطلق في أي وقت”، بعدما أعلنت واشنطن أنها لا تعارض مثل هذه العملية ضد المقاتلين الأكراد.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي: “هناك عبارة نكررها على الدوام: يمكننا الدخول (إلى سوريا) في أي ليلة دون سابق إنذار. من غير الوارد على الإطلاق بالنسبة لنا التغاضي لفترة أطول عن التهديدات الصادرة عن هذه المجموعات الإرهابية”.
وانسحبت القوات الأميركية من عدة قواعد، بينها عين عيسى وتل أبيض، لتبقى تركيا متواجدة فيالمنطقة الأمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا، من منبج إلى عين ديوار، وفي المنطقة العازلة في إدلب وفي عفرين.
أما الوحدات الكردية، فما زالت تسيطر على أكبر مساحة من الشمال الشرقي من سوريا، وتمتد من منبج غربا إلى الطبقة والرقة شرقا، وباتجاه الحدود العراقية وصولا إلى الحسكة والقامشلي في الشمال.
ويحافظ الجيش السوري على انتشاره في القائم عند الحدود مع العراق، مرورا بالجزء الجنوبي لـدير الزورومناطق جنوب محافظة الرقة، وباتجاه الشمال نحو حلب وغربا نحو المتوسط.
وسهّل الانسحاب الأميركي التواجد العسكري التركي المباشر في تلك المنطقة، إذ تنشر أنقرة في مناطق شمال إدلب ودير الزور، التشكيل العسكري الجديد الذي جاء نتيجة اندماج الفصائل السورية التابعة لها، والمتمثلة بما يسمى بـ”الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير”.
وستكون أنقرة بموجب ذلك قادرة على تسيير دوريات عسكرية بمفردها، وإطلاق طائرات استطلاع، وهو ما ترفضه تماما قوات سوريا الديمقراطية.
واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي، إلياس حنا، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من المنطقة، جاء بناء على “وعود انتخابية”.
وقال: “اليوم يواجه ترامب مشكلات داخلية، لذا فهو يسعى لتنفيذ وعوده الانتخابية لاستقطاب المزيد من الدعم لحملته، وبهذا يبدو وأن البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر و(شرعن) العملية التركية، تحت شعار (لن نمنع أو نتدخل لصالح أحد)”.
وأشار حنا إلى أن هذا الأمر “له تداعيات كبيرة”، موضحا: “المشكلة الكبرى هي حجم العملية، فتركيا ستقاتل بالواسطة، من خلال ما يعرف بالجيش الوطني الذي شكلته بعد أن دمجت قوى المعارضة السورية، التي تبدل دورها من قتال النظام السوري إلى القتال لصالح المشروع التركي”.
وأوضح حنا أن حجم العملية مرتبط أيضا بطبيعة المنطقة الآمنة التي ما زالت الخلافات تهيمن عليها بين أميركا وتركيا. وأضاف: “كان هناك خلاف أميركي تركي بشأن عمق المنطقة الآمنة وطولها، فواشنطن تريدها بعمق 15 كلم وطول 100 كلم تقريبا على الحدود، أما أنقرة فتريدها بعمق 32 كلم وطول 480 كلم”.
ونوّه إلى أن أنقرة تريد أيضا تنفيذ مشروع لإعادة مليون شخص وتسكينهم في المنطقة، أما في حال استمرت العملية وتطورت لتصل إلى الرقة، فقد يصل عدد الأشخاص إلى 3 ملايين، واصفا الأمر بـ”الخطير جدا”.
وتسعى تركيا إلى إحداث تغيير ديمغرافي، بإبعاد المكون الكردي عن الشريط الحدودي وإغراقه بمئات الآلاف من المدنيين الذين سيكونون أقرب إلى تركيا.
كما أن وضع اللاجئين في هذه المنطقة يمكّن أنقرة من استخدام هذه الورقة للضغط على أوروبا، لتحصيل المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
وشرح حنا خطورة هذا الوضع، قائلا: “هذه العملية تسعى لإحداث تغيير ديمغرافي على أساس إثني، فتركيا تريد أن تأتي بـ3 ملايين شخص من العرب السنة أو غير السنة إلى المنطقة القريبة من حدودها، التي يتواجد فيها بالفعل ما يقارب من 850 ألف نسمة سيتم اقتلاعها”.
وتابع: “يطلب أردوغان مساحة 96 مليون متر مربع للسكن، و140 مليون متر مربع للزراعة، وهذه مرحلة تحول جذري للمنطقة بالكامل”.
ومع العملية الشرسة التي تسعى تركيا من خلالها للتخلص من الأكراد في المناطق الحدودية، بحجة أنهم جميعا ينتمون لجماعات مسلحة ولحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابيا، تظهر على السطح مجموعة من المشكلات، أهمها تنظيم داعش الإرهابي، الذي تم القضاء عليه في سوريا بالاعتماد بشكل كبير على قوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية.
وهنا، تكمن المخاوف من قدرة “داعش” على إعادة تنظيم صفوفه والعودة إلى سابق عهده، حين روع مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في كل من سوريا والعراق، قبل أن يطال تهديده مختلف دول العالم.
وفي هذا الصدد، شدد ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، شيفان خابوري، على أن قوات سوريا الديمقراطية “لا تستخدم داعش كورقة ضغط، وإنما هناك خطر حقيقي يحدق بالعالم أجمع في حال تم استهداف الأكراد”.
وقال: “هناك أكثر من 75 ألف داعشي في السجون، وهم بمثابة قنابل موقوتة، وإذا لم تكن هناك حماية وتأمين كامل على هؤلاء، أو إذا كان هناك خلل على الحدود بين تركيا وسوريا، فسيعطيهم ذلك فرصة للهروب وتنظيم صفوفهم مجددا، وهذا أمر كارثي، فعندما كانت صفوفهم مرتبة كان العالم أجمع يخشى من هذا التنظيم الإرهابي”.
أما حنا فاعتبر أن الوضع “معقد”، قائلا: “مخيم الهول يضم 50 ألف نسمة، أغلبهم من النساء المؤيدات لداعش، وما بين 6 آلاف و10 آلاف مقاتل من التنظيم، ألفين منهم من الأجانب الذين توافدوا من أوروبا”، مؤكدا أن مهاجمة الأكراد قد تشكل خطرا كبيرا وفرصة لـداعش لإعادة إحياء نفسه.
واعتبر خابوري أن الخيارات المتاحة أمام الأكراد، مع انسحاب القوات الأميركية وتهديدات تركية المستمرة، تتمثل باتخاذ المجتمع الدولي موقفا حازما وبشكل سريع للتصدي للعملية التركية.
واستطرد بالقول: “إنها معركة وجود، وانطلاقا من ذلك ندعو جميع الأحرار أن يرصوا صفوفهم وأن يخرجوا عن صمتهم في وجه التهديدات التركية وإرهاب أردوغان، الذي يهدد بإنهاء وجود شعب بأكمله، وليس حركة أو حزب كما يدعي”.
كما طالب ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الولايات المتحدة “بالإيفاء بوعدها في حماية المنطقة، كونها كانت الطرف الضامن في العملية الأمنية الثلاثية الأخيرة”.
وتابع: “كما أن قوات سوريا الديمقراطية كانت إيجابية وأبدت مرونة، كي لا تدع لتركيا أي ذرائع للتوغل في المنطقة وتدمير ما تم بناؤه على دماء مقاتلي سوريا الديمقراطية، الذين بذلوا أرواحهم لتأمين المنطقة وحمايتها من داعش”.